إن إدارة وتوجية التيارات والقوي السياسية العنيدة والمتخاصمة وهي في المهجر أو وهي في حالة اللجؤ السياسي ليست أبدا بالأمر السهل، وخصوصا المعارضة الإيرانية المعروفة باسم مجاهدي خلق أو مجاهدي شعب إيران. ولنوضح الأمر بلغة بسيطة، إن النظام السياسي الشرير لدولة النفط الذي تعارضة مجاهدي خلق يفزع ويُرهب نصف العالم الغربي ويُغري ويساوم النصف الآخر، ومن ناحية أخرى تُتهم جماعة مجاهدي خلق بأنها جماعة إرهابية ماركسية- إسلامية متقاعدة عفا عليها الزمن.
على أية حال، لم تمنع هذه العقبات مجاهدي خلق من الإعلان عن والترويج لفكرة أن الإسلامية المتطرفة إنما تمثل التهديد العالمي الجديد، ولم تمنعها من تزويد الغرب بمعلومات استخباراتية مهمة - على سبيل المثال، حول برنامج إيران النووي - ولا من إثارة خوف النظام السياسي في طهران، ولا من التعبير القوي والواضح من خلال التظاهرات عن تضامن القوى المعارضة لهذا النظام.
لقد شاهدت واحدة من هذه التظاهرات في قاعة معرض واسعة خارج باريس الأسبوع الماضي، حيث اجتمع حوالي 20,000 إيراني من مختلف أنحاء العالم لسماع موسيقاهم الشعبية القديمة، يرفعون الأعلام والرايات، ويستمعون لكلمات وخطابات مختصرة سريعة من قبل أشخاص غير إيرانيين ممن يتمنون الخير لهم - ومن أبرزهم بوب فيلنر عضو الكونجرس الأمريكي، ديموقراطي عن كاليفورنيا، ورئيس وزراء جزائري سابق سيد أحمد غوزالي. ثم هدأ الحشد لمدة 85 دقيقة استمع فيها لكلمة زعيمة مجاهدي خلق السيدة مريام راجافي التي تناولت فيها بالشرح الأوضاع العامة.
ألهمني الاجتماع بعدّة ملاحظات. أولا، كان الانتاج والإخراج البارعان، المليئان بالتلميحات للتقاليد السياسية الأمريكية – بالونات وقطع الورق اللامعة التي تتساقط على الجمهور من العوارض الخشبية بسقف القاعة، وشاشات التلفزيون التي تعرض وصول موكب الزعيم السياسي - يستهدفان في الغالب جمهوراً خارج القاعة، خصوصا في إيران.
الثانية، كان للحدث هدفان ظاهران: تذكير الإيرانيين بأن هناك بديل للحكومة الدينية، والضغط على الإتحاد الأوربي من أجل إخراج مجاهدي خلق من قائمة الإرهاب الخاصة به. للإيرانيين، تضمّن جزء الموسيقى بنات جميلات في لباس غربي (وهو أمر بالنسبة لهم في غاية الجرأة). للأوربيين، تضمن الحدث وبصورة بارزة "أنشودة الوطنيون" ("لو تشاه دي بارتيزاه")، وهو نشيد المقاومة الفرنسية أثناء الحرب العالمية الثانية.
الثالثة، لم يُشر تحليل راجافي المتعمق لا إلى الولايات المتّحدة ولا إلى إسرائيل، وهو شيئ نادر جدا في أي خطاب هام حول السياسة الشرق الأوسطية. وهي لم تُلمّح حتى إلى التفكير التآمري، وهذا تغيير في السياسة الإيرانية جدير بالترحيب المخلص والعميق.
أخيرا، لا توجد جماعة معارضة سياسية أخرى في العالم قادرة على إقامة تظاهرة رائعة مؤثرة تستعرض فيها قوتها مثلما فعلت جماعة مجاهدي خلق: آلاف من المؤيدين، العديد منهم من الشباب، فضلا عن عدد من الشخصيات السياسية الهامة.
توحي هذه العوامل، خاصة إذا أضفنا إليها ردّة فعل حكم الملا الذي اقترب من حالة الرهاب من منظمة مجاهدي خلق، أن المنظمة تُمثل أداة ووسيلة قوية لإخافة طهران وردعها.
للأسف، لا يستطيع الغربيون في الوقت الحاضر العمل مع منظمة مجاهدي خلق، وذلك بسبب قرار اتخذته إدارة كلينتون عام 1997، ثم اتخذه الإتحاد الأوربي بعد خمسة سنوات، مضمونه مكافأة حكم الملالي وإعلان المنظمة كجماعة إرهابية، ووضعها رسميا في نفس وضع منظمات مثل القاعدة، وحماس، وحزب الله. يذكر عضو برتغالي في البرلمان الأوربي، بولو كاساكا، أن "المسؤولين على جانبي الأطلسي يصرحون ولكن ليس للنشر بأنّ السبب الوحيد وراء وضع الجماعة على قائمة الإرهاب الأمريكية هو في المقام الأول إرسال ' بادرة بالنوايا الحسنة' إلى النظام الإيراني.
لكن منظمة مجاهدي خلق لا تشكّل أي خطر على الأمريكيين أو على الأوربيين، ولم تشكل ذلك لعدة عقود، وإنما هي تشكل خطراً على النظام الثيوقراطي العدواني المؤذي في طهران. وتنعكس فائدة منظمة مجاهدي خلق للدول الغربية في موقف حكومة الولايات المتحدة غير الثابت بل وحتى المتناقض نحو المنظمة وذلك على مدى العقد الماضي. مثال ساخر مضحك على هذا الموقف علمنا به في أكتوبر/تشرين الأول عام 2003، عندما كتب كولن باول، وزير الخارجية آنذاك، إلى دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع آنذاك، وبأسلوب لاذع، من أجل تذكيره بأن الـ3,800 عنصر من قوات منظمة مجاهدي خلق الموجودون في معسكر أشرف في العراق يجب التعامل معهم على افتراض أنهم أسرى وليسوا حلفاء.
لكن لن يكون هناك أي شيء مسلّي عندما يوشك الوجود الأمريكي في العراق على الانتهاء ويُترك الآلاف من أعضاء منظمة مجاهدي خلق دون سلاح تحت رحمة نظام موال لطهران في بغداد. ولأنها متأخرة وبشكل غير عادي، تحتاج إدارة بوش إلى اتّخاذ ثلاثة خطوات. أولا، تدع أعضاء منظمة مجاهدي خلق يتركون معسكر أشراف بطريقة إنسانية وآمنة. ثانياً، تُخرج المنظمة من قوائم الإرهاب، وتُطلق العنان لها في تحدّي الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ثالثا، تستغل خوف النظام الإيراني الشديد من منظمة مجاهدي خلق.
مثلما اقترحت أنا وباتريك كلوسون قبل أكثر من أربعة سنوات، "لردع الملالي من إتّخاذ خطوات عدائية (مساندة العمليات الإرهابية ضدّ قوات التحالف في العراق، وبناء أسلحة نووية)، قد يكون من الفعّال جدا الإعلان عن أو التهديد بعقد اجتماعات بين الولايات المتحدة ومنظمة مجاهدي خلق أو تقديم العون والمساعدة لها في حملتها الدعائية ضدّ النظام."
ويظل هذا الكلام نصيحة جيدة، لكن لا توجد أربع سنوات أخرى للانتظار.