كيف يفكر مسلمو العالم؟
للكشف عن ذلك قام مركز بيو لأبحاث الشعوب والنشر بمسح كبير للاتجاهات في ربيع 2006، عنوان المسح "الانقسام الكبير: كيف يرى الغربيون والمسلمون بعضهم البعض،" وتم فيه مقابلة مسلمين من مجموعتين من البلدان: ستة بلدان أغلبية سكانها منذ زمن بعيد من المسلمين (مصر واندونيسيا والأردن ونيجيريا وباكستان وتركيا)، وأربعة بلدان في أوروبا الغربية يمثل المسلمون فيها أقلية حديثة العهد (فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأسبانيا).
لقد كشف المسح، الذي قام أيضا بدراسة اتجاهات الغربيين من المسلمين، عن بعض النتائج المثيرة للقلق وإن لم تكن مفاجئة. نستطيع أن نجمع النتائج تحت ثلاثة عناوين.
الميل لنظريات المؤامرة والإيمان بها: في كل البلدان التي تم مسح آراء المسلمين فيها لم ترى أغلبية المسلمين أن العرب هم الذين قاموا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على أمريكا. تراوحت النسب المئوية لمن يرى من المسلمين أن العرب هم من قاموا بالهجمات من مجرد 15% في باكستان إلى 48% من مسلمي فرنسا. ومما يؤيد تنامي الاتجاهات السلبية في تركيا أن عدد الأتراك الذين يتهمون العرب انخفض من 46% عام 2002 إلى 16% عام 2006. في كلمات أخرى، ترى الأغلبية في المجتمعات الإسلامية العشرة أن الحادي عشر من سبتمبر كان خدعة ومؤامرة دبرتها وارتكبتها الحكومة الأمريكية وإسرائيل أو جهات أخرى.
وبالمثل ينتشر التعصب والتحيز ضد اليهود انتشارا واسعا بين المسلمين، حيث تراوحت الأحكام السلبية والمعادية لليهود ما بين 28% لدى المسلمين الفرنسيين إلى 98% في الأردن (التي بالرغم من اعتدال الحكم الملكي بها إلا أن أغلبية سكانها من العرب الفلسطينيين). بالإضافة إلى ذلك ينظر المسلمون في بلدان بعينها (خاصة مصر والأردن) إلى اليهود بعين تملؤها الريبة ويرونهم مسئولين عن العلاقات السيئة بين المسلمين والغربيين.
وتمتد نظريات المؤامرة إلى قضايا وموضوعات أكبر. عند سؤالهم "من هو المسئول في المقام الأول عن الفشل في تحقيق الرخاء الاقتصادي في الأمم الإسلامية؟" ألقى اللوم ما بين 14% (في باكستان) و 43% (في الأردن) على سياسات أمريكا والدول الغربية الأخرى بدلا من إلقاء اللوم على المشكلات المحلية الداخلية مثل غياب الديمقراطية أو التعليم أو الفساد الإسلام الراديكالي المتطرف.
إن هذا الإيمان بنظريات المؤامرة إنما يشير إلى انتشار عزوف وانصراف الأمة (الإسلامية) عن التعامل مع الواقع، مفضلة الأفكار البالية عن المخططات التآمرية التي تخليها من المسئولية المباشرة عما يحدث لها. يكشف هذا الإيمان أيضا عن مشكلات كبيرة في تكيف الأمة الإسلامية مع الحداثة والمعاصرة.
تأييد الإرهاب: تظهر كل المجتمعات الإسلامية التي تم مسح الرأي العام بها عن تأييد قوي وثابت لأسامة بن لادن. عند سؤالهم هل يثقون به، ردوا بالإيجاب، وتراوحت النسبة بين 8% (في تركيا) و72% (في نيجيريا). بالمثل تتمتع التفجيرات الانتحارية بالشعبية، حيث تتراوح نسبة المسلمين الذين يرون أنها مشروعة بين 13% (في ألمانيا) إلى 69% (في نيجيريا). تشير هذه الأرقام المخيفة إلى أن للإرهاب الذي يقوم به المسلمون جذورا عميقة وأنه سوف يظل خطرا في الأعوام القادمة.
المسلمون البريطانيون والنيجيريون هم الأكثر عدائية وغرابة: تبرز بريطانيا كبلد يمتلئ بالمتناقضات، فغير المسلمين يتبنون وبصورة لافتة اتجهات أكثر إيجابية من الإسلام والمسلمين بالمقارنة مع أي مكان آخر في البدان الغربية، فمثلا، 32% فقط من العينة البريطانية ترى أن المسلمين يتصفون بالعنف، وهي نسبة تقل بدرجة دالة عن النسبة في فرنسا (41%) أو ألمانيا (52%) أو أسبانيا (60%). وفي الجدل الذى دار حول الرسومات الكاريكاتورية (الهزلية) التي تعرضت لرسول الإسلام، كشف البريطانيون عن قدر أكبر من التعاطف مع وجهة نظر المسلمين بالمقارنة مع باقي الأوروبيين.
إلا أن المسلمين البريطانيين يردون الجميل باتجهات معادية للغرب هي الأشد افتراءا وضررا في أوروبا. فالعديد منهم يرون الغربيين يتصفون بالعنف والجشع واللاأخلاقية والتكبر والتغطرس وبنسبة أكبر من المسلمين في فرنسا وألمانيا وأسبانيا. فضلا عن ذلك، عند سؤالهم عن اتجاهاتهم من اليهود، وعن المسئول عن الحادي عشر من سبتمبر، أو عن مكانة المرأة في المجتمعات الغربية، كانت اتجاهاتهم هي الأكثر تطرفا وبصورة ملحوظة.
إن الموقف في بريطانيا إنما يعكس ظاهرة "لندنستان" (على وزن باكستان وأفغانستان الخ –المترجم) حيث البريطانيون يبادرون بالانحناء والتملق بينما المسلمون يستجيبون لهذا الضعف بالعدوان.
بصفة عامة المسلمون النيجيريون هم أصحاب أكثر الاتجاهات عدوانية في مسائل وقضايا مثل حالة العلاقات بين المسلمين والغرب، واتهام الغربيين بالانحلال الأخلاقي والتغطرس والتكبر، وتأييد السيد أسامة بن لادن والإرهاب الانتحاري. لاشك أن هذا التطرف إنما ينشأ عن حالة العنف التي تتصف بها العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا.
مما يثير الدهشة والعجب أن نجد أشد صور عدوانية المسلمين في بلدين واحدة يتمتع فيها المسلمون بأكبر قدر من التوافق والثانية يعاني فيها المسلمون من انخفاض التوافق لأدنى مستوياته، مما يوحي أن المسار المعتدل الوسطي هو الأفضل – حيث المسلمون لا يفوزون أو يتمتعون بمزايا خاصة، كما في بريطانيا، ولا يكونون في حالة متقدمة من العدائية والكراهية، كما هو الحال في نيجيريا.
إجمالا ترسل نتائج دراسة مسح الاتجاهات التي قام بها مركز بيو رسالة لا يمكن إنكارها أو نفيها، رسالة تنذر بأزمة تمتد عبر عموم العالم الإسلامي.