التحديثات تتبع التعليقات الختامية.
في 1933، اشرف السفير البريطاني في العراق، غاضبًا، على خلع ملك البلاد فيصل. وتساءل الملك
"هل كنت أبلغ حكومتي أن رجال الشعب العراقي الذين شغلوا أعلى المناصب في الدولة، ألقوا خطابات في مناسبات جليلة عبروا فيها عن آراء يعرفون أنها خاطئة ولا معنى لها؟ هل أقول إن البرلمان العراقي مجرد خدعة، مكان يضيع فيه حفنة من الرجال الوقت والمال وهم يتنكرون بزي رجال دولة، لم يقصدوا ما قالوه، ولم يقولوا ما يؤمنون به؟"1
رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد (يسار) مع ولي العهد الأمير عبد الله، 1957. على انفراد، كان سعيد يتناول إسرائيل بهدوء وعقلانية. ولكن كانت تعليقاته العامة مريرة ولا هوادة فيها. |
في 1993، فيما يتعلق بغزو صدام حسين للكويت، أشار المؤلف كنعان مكية إلى أن "الكثير من أفضل العقول والمفكرين في العالم العربي تظاهروا بالموافقة على مشروع الديكتاتور العراقي خلال أزمة الخليج على الرغم من أن نفس الأشخاص لم يكونوا ليطيقون العيش تحت حكمه. يحتقرون صدام حسين وكل ما يمثله في السر، ويقفون إلى جانبه في العلن."
تسلط هذه الأمثلة المتعلقة بالعراق الضوء على سمة من سمات الحياة العامة العربية: السياسيون يجعجعون رسائل عاطفية في خطاباتهم إلى جماهيرهم ويتحدثون بلباقة غير رسمية للمحاورين الغربيين.
وهذا يثير سؤالين: هل يجب على الخارج أن يصغي إلى الصراخ أم الهمسات؟ ما هو أفضل دليل للسياسة؟ (يختلف هذا عن السؤال عن المعتقدات الشخصية الحقيقية لأن الطريقة التي يتصرف بها السياسي أكثر أهمية من الطريقة التي يفكر بها بعمق.) بمراجعة تاريخية نجد أن الإجابة سهلة للغاية – وربما مفاجئة.
التصريحات حول إسرائيل
يثير الصراع العربي الإسرائيلي أكثر التناقضات المعروفة بين الأقوال العامة والخاصة، حيث يصرخ السياسيون في العلن معاداة الصهيونية الناريّة ولكن في السر يهمسون برسائل أكثر هدوءًا. جسد هذا التناقض جمال عبد الناصر، رئيس مصر من 1954 إلى 1970.
علنًا، طرح ناصر بلا هوادة أجندة مناهضة للصهيونية، مما جعل إسرائيل القضية الأساسية في السياسة العربية ويهذا أصبح أقوى زعيم عربي في عصره. لكن، وفقًا لمايلز كوبلاند، أحد عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذي كان على اتصال مع عبد الناصر، فقد كان في الواقع يعتبر قضية فلسطين "غير مهمة."3
تم تطبيق نفس النمط على قضايا محددة. في مخاطبته للعالم، رفض ناصر وجود الدولة اليهودية وكذلك أي حل وسط معها، بينما تحدث على انفراد مع دبلوماسيين غربيين حول الاستعداد للتفاوض مع إسرائيل. علنًا، قاد المعركة في جامعة الدول العربية ضد خطة أمريكية لإنشاء سلطة وادي الأردن لتخصيص مياه نهر الأردن؛ ولكن سرا، قَبِل هذه الخطة.4 بعد حرب 1967، رفض علنًا المفاوضات مع إسرائيل وأصر على أن "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة،" وسرًا أبدى للإدارة الأمريكية استعداده لتوقيع اتفاقية عدم عدوانية مع إسرائيل "بكل ما يترتب عليها من عواقب."5
البيانات العامة في جميع هذه الحالات حددت السياسات الفعلية. حتى أن ناصر اعترف ضمنيًا أن الصيحات تقدم دليلاً أكثر دقة من الهمسات، قائلاً لجون كينيدي أن "بعض السياسيين العرب كانوا يدلون بتصريحات قاسية بشأن فلسطين علنًا، ثم يتصلون بالحكومة الأمريكية للتخفيف من قساوة تصريحاتهم بالقول إنها كانت للاستهلاك العربي المحلي."6 هذا ما يصف بالضبط سلوكه.
الرئيس السوري حافظ الأسد (يمين)، الجولان، 1973. رفض الأسد علناً القيود المفروضة على خياراته العسكرية ضد إسرائيل. ولكن في السر، ادعى السوريون أنهم يؤمنون بإمكانية التفاوض على نزع السلاح من الحدود السورية الإسرائيلية. |
ذكر أحد سفراء أمريكا في المملكة العربية السعودية في السبعينيات أن الملك فيصل سيستمر في خطابه حول المؤامرة الصهيونية. ولكن بعد بضع ساعات من ذلك، صرف الملك مدون ملاحظاته وانطلق إلى العمل الحقيقي، وبذلك أصبح أكثر منطقية بشكل ملحوظ.
أشار هنري كيسنجر في عام 1973 أن "كل زعيم تحدثت إليه حتى الآن أوضح أنه من الأسهل عليهم تخفيف الضغوط [على إسرائيل] بحكم الأمر الواقع أكثر من السياسة العربية العامة."8 أثار جيمي كارتر الدهشة عندما كشف في عام 1979، في الوقت الذي كان فيه السياسيون العرب يضغطون بشدة من أجل دولة فلسطينية مستقلة، قائلا: "لم أقابل زعيمًا عربيًا أبدى في السر رغبته في إقامة دولة فلسطينية مستقلة."9 بعد ثلاث سنوات، أوضح كارتر في مذكراته أنه
يمكن لجميع العرب تقريبًا أن يروا أن قيام دولة [فلسطينية] مستقلة في قلب الشرق الأوسط قد يكون نقطة احتكاك خطيرة ومركزًا للتطرف. ... ومع ذلك، وبسبب التأثير السياسي القوي لمنظمة التحرير الفلسطينية في المجالس الدولية والتهديد من قِبَل بعض قواتها بهجمات إرهابية، فإن قلة من العرب تجرأوا على الابتعاد عن موقعهم الأصلي في البيانات العلنية.10
يروي المحلل باري روبن أن العديد من الأشخاص أخبروه كم كان الزعيم الفلسطيني فيصل الحسيني "لطيفًا معهم على انفراد، وكيف اقتنعوا برغبته الحقيقية في السلام. لكن في العلن، تمسك الحسيني بخط أكثر تشددًا، بتأييده هجمات إرهابية، وفي خطاب ألقاه في بيروت قبيل وفاته، بكون تدمير إسرائيل هدف للفلسطينيين."11
تشير برقية سرية للحكومة الأمريكية مؤرخة في 2 أكتوبر 2009 تتعلق بتونس (نشرها موقع ويكيليكس) إلى تناقض آخر بين القطاعين العام والخاص حيث تكون الرسالة العامة أكثر إفادة:
من الواضح أن تونس كانت حذرة من الرأي العام ، الذي أشعلته صور العنف بالصراعات الإسرائيلية العربية، ولا سيما القتال في لبنان في صيف 2006 وفي غزة في أوائل 2009. ويشكو القادة التونسيون إلينا من حين لآخر من أن قناة الجزيرة أثارت غضب الرأي العام التونسي بتغطيتها هذه النزاعات، مما حد من الخيارات السياسية المتصورة للحكومة التونسية. ومن المفارقات أن وسائل الإعلام التونسية، التي تسيطر عليها الدولة بإحكام، تعمل بنشاط على إشعال نيران الغضب العام بشأن الصراع. فمثلا يسمح للصحافة الصفراء التونسية على وجه الخصوص بمطلق الحرية في نشر نظريات مؤامرة شائنة تشمل إسرائيل واليهود، وتغطية غير متوازنة بشكل عام للأحداث في المسرح الإسرائيلي الفلسطيني، في حين أنها تصاب بالذعر في تغطيتها للرئيس بن علي.
صرخت القاهرة أيضا بنظريات المؤامرة المعادية لإسرائيل وأمريكا عندما لم يُنتَخَب وزير الثقافة المصري، فاروق حسني، رئيسًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في أكتوبر 2009. ولكن أشارت برقية حكومية أمريكية سرية (نشرها موقع ويكيليكس) حول هذا الموضوع إلى رد فعل أقل بكثير في حدته (وصفت الحادث بأنه "مثير للإزعاج").
كما وجد الصحفي ماتي فريدمان حماس متورطة أيضا في خداع سري:
اعتاد بعض المتحدثين باسم حماس أن يعترفوا للصحفيين الغربيين، بمن فيهم بعض الذين أعرفهم شخصيًا، بأن الجماعة هي في الواقع جماعة براجماتية سرية ذات خطاب عدواني، وحرص الصحفيون على تصديق الاعترافات، مع عدم استعدادهم في بعض الأحيان باعترافهم للمحليين بالذكاء الضروري لخداعهم.
وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه ديان (يسار) والرئيس المصري أنور السادات، 1977. بحسب ديان، في الجلسات الخاصة، "عبّر السادات مرارًا" عن معارضته لقيام دولة فلسطينية، خلافًا لموقفه العلني. |
حتى الفلسطينيون يشيرون إلى التناقض. لاحظ الزعيم الفلسطيني جورج حبش في 1991 أنه في حين أن الحكومتين الجزائرية واليمنية تريدان حقًا دولة فلسطينية، فإن "الأردن لا يريدها. ولم تقرر سوريا بعد." وختم بالقول: "يمكن القول إن الدول العربية الفعالة ربما لا تريدها".14
مهما كانت محادثات نوري السعيد السرية، فإن سلوكه تجاه إسرائيل ظل عدائيًا بشكل مطرد. شن ناصر الحرب مع إسرائيل ثلاث مرات. وبغض النظر عن المشاعر الشخصية، يشيد القادة العرب بالقضية الفلسطينية. لو كانت الآراء التي تم التعبير عنها في اللقاءات مع المسؤولين الغربيين فاعلة، لكان قد تم حل الصراع العربي الإسرائيلي منذ فترة طويلة.
الإغواء بالهمسات – وعدمه
إن تقدير المعلومات السرية أكثر من العلنية هو أمر منطقي. وكما قال الكاتب الإسباني ميجيل دي أونامونو، "بعض الناس سيصدقون أي شيء إذا أهمست لهم به." بالإضافة إلى ذلك، يقدر المطلعون على الأمور المحادثات الفردية والسرية مع القادة. بهذه الروح، غالبًا ما يفضل الغربيون الأحاديث الخاصة على العامة.
في أواخر 2007، رفض محمود عباس علنًا الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وكان ذلك موضوعًا رئيسيًا في ذلك الوقت، قائلاً فقط "من منظور تاريخي، هناك دولتان: إسرائيل وفلسطين. في إسرائيل، هناك يهود وآخرون يعيشون هناك. هذا ما نعترف به، لا شيء آخر." على الرغم من عدم الاستعداد الواضح هذا لقبول الطبيعة اليهودية لإسرائيل، فقد أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على تحريف كلمات عباس الخاصة لتحل محل كلماته العلنية.
انطباعي الخاص أنه يريد السلام مع إسرائيل، ويقبل إسرائيل كما تعرّف نفسها. ولكن إذا طلبت منه أن يقول إنه يرى إسرائيل كدولة يهودية، فلن يقول ذلك. لكن إذا سألتني ما إذا كان في روحه يقبل إسرائيل، كما تعرّف إسرائيل نفسها، أعتقد أنه يقبلها. هذا ليس بالأمر الهيّن. ربما لا يكون ذلك كافياً، لكنه ليس بالأمر الهيّن.
في 2010، نشر موقع ويكيليكس برقيات دبلوماسية تفيد بأن العديد من القادة العرب حثوا الحكومة الأمريكية على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وبصورة شديدة، أراد الملك عبد الله ملك المملكة العربية السعودية أن "تقطع -" واشنطن "- رأس الأفعى." اتفق المحللون الأمريكيون بشكل عام على أن هذه التصريحات الخاصة كشفت السياسات الحقيقية للسياسيين السعوديين وغيرهم، على الرغم من عدم وجود تعليقات عامة مماثلة.
إريك ر. ماندل "يُطلع بانتظام أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب ومستشاري السياسة الخارجية،" مما يجعله مطلعًا. في مقال نُشر عام 2019 بعنوان "الإسرائيليون والعرب يقولون شيئًا ما في العلن وآخر وراء الأبواب المغلقة. يحتاج السياسيون والمحللون إلى فهم الاختلاف،" يرى أن المحادثات الخاصة أكثر فائدة من الخطابات العامة. دليله أنه توصل إلى استنتاج أنه "على الرغم من بعض التشدق العلني للقضية الفلسطينية، فإن العالم العربي السني يعرف أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هو على أكثر تقدير 'قضية جانبية'."
ولكن حذر محللون آخرون من الإغواء بالهمسات، واستنتجوا كما فعل هذا الكاتب أن التصريحات العلنية لها أهمية أكبر من الخاصة. يلاحظ الصحفي لي سميث، بالإشارة إلى اقتباس "قطع رأس الأفعى،" أن السياسيين العرب ربما يخبرون الأمريكيين بما يريدون سماعه، إذ يكتب: "نحن نعرف ما يقوله العرب للدبلوماسيين والصحفيين عن إيران، لكننا لا نعرف ما الذي يفكرون به حقًا بشأن جارهم الفارسي." يمكن أن تكون نداءاتهم جزءًا من عملية دبلوماسية، تتضمن عكس مخاوف ورغبات الحلفاء على أنها مخاوفهم ورغباتهم أيضا. وهكذا عندما يزعم السعوديون أن الإيرانيين هم عدوهم اللدود، يميل الأمريكيون دون تمحيص إلى قبول هذه المصالح المشتركة. ومع ذلك، يؤكد سميث أن "الكلمات التي ينطق بها السعوديون للدبلوماسيين الأمريكيين لا تهدف إلى تزويدنا بنافذة شفافة على التفكير الملكي، بل للتلاعب بنا لخدمة مصالح آل سعود." نعتقد أنهم يقولون الحقيقة لأننا نحب ما يقولونه، ولكن هذا ليس افتراض حكيم.
أو كما تلاحظ داليا داسا كاي من مؤسسة راند، "ما يقوله القادة العرب للمسؤولين الأمريكيين وما قد يفعلونه قد لا يتطابقان دائمًا." لاحظ يهوشافت هركبي في دراسته الكلاسيكية لعام 1972، المواقف العربية تجاه إسرائيل:
إذا كان بيان سري في الولايات المتحدة مؤشرًا على نوايا حقيقية، فإن العكس يبدو صحيحًا في كثير من الأحيان في البلدان العربية، حيث تكون التصريحات العلنية أكثر أهمية من الكلمات الناعمة التي تُهمَس للصحفيين الأجانب. حتى لو لم تستطع الجماهير فرض إرادتها على قادتها من خلال العمليات الديمقراطية، فإن أهمية التصريحات العلنية تكمن في أنها تخلق اِلتزامات وتثير توقعات بأن القادة سيفعلون ما يدعون إليه.15
الغوص في العمق
قبل النظر إلى علم النفس الكامن وراء هذه الظاهرة، يجب الإشارة إلى بعض الاستثناءات.
أخبر ناصر قادة جيشه ب-"عدم الالتفات إلى أي شيء قد أقوله علنا عن حل سلمي" للصراع مع إسرائيل. |
ثانيًا، ما يقال باللغة العربية له أهمية أكبر من نظيره باللغة الإنجليزية. وجدَت دراسة لخطب عرفات في العامين التاليين لأوسلو أنه حمل "فقط غصن زيتون للغرب وكلاشينكوف لإخوانه العرب،" والكلاشينكوف يرمز للعمليات الإرهابية.
ثالثًا، لا يتحدث السياسيون دائمًا بشكل مختلف في الأماكن العامة والخاصة. أخبر ناصر الأمريكيين في بعض المناسبات الخاصة نفس ما كان يقوله للمصريين علنًا: أن الحكومة الأمريكية كانت "تحاول إبقاء مصر ضعيفة وأن هذا ناتج عن النفوذ اليهودي" في الولايات المتحدة.17
أما بالنسبة لسبب هذا التناقض بين الهمس والصراخ، فقد أوضح ذلك عبد الرؤوف الروابده، رئيس وزراء الأردن بين 1999-2000، بشكل قاطع في بيان عام 2013 يحمل الاقتباس الكامل:
الواعظ الذي يتحدث من المنبر، الفيلسوف، السياسي، الأستاذ الجامعي، مدرّس المدرسة - كلهم متفقون مع ضمير الأمة، ... وهم صادقون مع ما يؤمنون به، لكنهم ليسوا مسؤولين عن تنفيذه. الخطيب يصعد إلى المنبر ويعلن: "يجب أن نواجه أمريكا أصل البدع." حسنا. ماذا يريد منا أن نفعل حيال ذلك؟ لا يقول. ثم يأتي السياسي الذي تتمثل مهمته في فهم ميزان القوى المحلي والإقليمي والدولي، ويتحدث فقط عما يمكنه تحقيقه.
ذات مرة، عندما كنت أترشح لأحد المناصب، حاول شخص ما أن يعطيني وقتًا عصيبًا. اقترب مني وسألني: ما رأيك في أمريكا؟ سألته: هل تسألني كسياسي أم كمرشح؟
قال إنه يسألني كمرشح، فقلت: "أمريكا دولة معادية، تمد إسرائيل بالسلاح، وتقتل شعبنا الفلسطيني، وتسيطر على دولنا العربية، وتصادر نفطنا، وتدمر اقتصادنا." لذلك كان مسرورًا، لكنه قال بعد ذلك: "وبصفتك سياسيًا؟" قلت: "أمريكا صديقتنا. إنها تقف إلى جانبنا وتمدنا بالمساعدة."
قال: "ألا ترى في ذلك تناقضًا أخلاقيًا؟" أجبته: "لا، أقول إن أمريكا هي عدو من أجل إرضائك، وأقول إنها صديقة من أجل الحصول على الطعام. قل لي أي الأمرين تفضل." [يضحك]
تفسر صراحة الروابدة بإيجاز التناقض بين الحملات السياسية والضرورات الدبلوماسية، فالأولى تشكل السياسىة والثانية تصرف الانتباه عنها. بعبارة أخرى، يكذب السياسيون في كلا القطاعين العام والخاص، لذلك لا يقدم أي منهما دليلاً معصومًا عن الخطأ، لكن الأول يتنبأ بالأفعال أفضل من الأخير. تميل المعلومات السرية إلى التضليل وتميل الهمسات إلى تشتيت الانتباه.
ما هي النصائح التي تنبثق من هذه النظرة العامة؟ لفهم السياسة، اعتمد على التصريحات العامة، وليس الهمهمة الصامتة. لفهم سياسات الشرق الأوسط، من الأفضل قراءة الصحف والبيانات الصحفية أو الاستماع إلى الراديو والتلفزيون بدلاً من قراءة البرقيات الدبلوماسية السرية أو التحدث على انفراد مع السياسيين. الخطابات العامة، وليس ما ينتقل بهدوء من فم إلى أذن، هي أكثر عملية. ما تسمعه الجماهير هو المهم، إذ يتعلمون منه السياسات، في حين يتعرض الغربيون رفيعو المستوى الإغواء.
تفسر هذه القاعدة العامة، بالمناسبة، سبب فهم المراقبون البعيدون في بعض الأحيان ما لا يفهمه الدبلوماسيون والصحفيون من موقعهم.
السيد بايبس (DanielPipes.org ،@DanielPipes) هو رئيس منتدى الشرق الأوسط. © 2023. جميع الحقوق محفوظة.
[1] وزارة الخارجية 371/16903، E 1724/105/93، 22 مارس 1933. مقتبس من محمد طربوش، دور الجيش في السياسة: دراسة حالة عن العراق حتى 1941 (لندن: كيجان بول إنترناشونال، 1982)، ص. 53-54.
[2] والديمار ج. جالمان، العراق تحت قيادة الجنرال نوري: ذكرياتي عن نوري السعيد، 1954-1958 (بالتيمور: مطبعة جونز هوبكنز، 1964)، ص. 167.
[3] مايلز كوبلاند، لعبة الأمم: لا-أخلاقية سياسة القوة (نيويورك: سايمون اند شوستر، 1969)، ص. 69-70، ص. 113.
[4] مايكل ب. أورن، أصول الحرب العربية-الإسرائيلية الثانية: مصر وإسرائيل والقوى العظمى، 1952-1956 (لندن: فرانك كاس، 1992)، الفصل الخامس.
[5] مايكل ب. أورن، ستة أيام من الحرب: يونيو 1967 وصنع الشرق الأوسط الحديث (نيويورك: مطبعة جامعة أكسفورد، 2002)، ص. 316.
[6] خدمة معلومات البث الأجنبية، التقرير اليومي، الشرق الأدنى وجنوب آسيا، 21 سبتمبر 1962، رقم 185.
[7] ريتشارد نيكسون، مذكرات (نيويورك: جروسيت اند دنلاب، 1978)، ص. 1013.
[8] هنري كيسنجر، سنوات الاضطراب (بوسطن: ليتل، براون، 1982)، ص. 657.
[9] نيويورك تايمز، 31 أغسطس 1979.
[10] جيمي كارتر، صون الثقة: مذكرات رئيس (نيويورك: بانتام بوكس، 1982)، ص. 302.
[11] جيروزاليم بوست، 12 يونيو 2001.
[12] عدو عدوي: لبنان في التخيّل الصهيوني المبكر، 1900-1948 (ديترويت: مطبعة جامعة واين ستيت، 1994)، ص. 23.
[13] موشيه ديان، اختراق: دراسة شخصية لمفاوضات السلام المصرية-الإسرائيلية (نيويورك: ألفريد أ. كنوبف، 1981)، ص. 162.
[14] الأمة، 30 ديسمبر 1991.
[15] اورشليم-القدس: مطبعة جامعات إسرائيل، 1972، ص. 390.
[16] مقتبس في الطريق إلى رمضان لمحمد هيكل (نيويورك: كوادرانجل / شركة كتب نيويورك تايمز، 1975)، ص. 54.
[17] برقية من جورج ف. آلن، 1 أكتوبر 1955، العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، 1955-1957، المجلد 14، النزاع العربي-الإسرائيلي 1955 (واشنطن العاصمة: مكتب طباعة حكومة الولايات المتحدة، 1989)، ص. 539.
إضافات 21 ديسمبر 2022: (1) هذا المقال مبني على نسخة أقصر بكثير نُشرت في 1993: "جانبيّ أفواههم: تصريحات القادة العرب الخاصة مقابل البيانات العامة."
(2) بالنسبة للموضوع المتعلق بقول الحقيقة في اللغة العربية والأكاذيب في اللغات الغربية، انظر مقالتي التي شاركت في تأليفها عام 1995 بعنوان "ياسر ذو الوجهين."