تواجه منظمة حلف شمال الأطلسي صفعةً في الذكرى الستين لها، لتجد نفسها أمام مشكلة جديدة تماماً - حيث تجد الإسلام المتطرف، ممثلاً في جمهورية تركيا، ضمن صفوفها.
انضمت أنقرة إلى حلف الناتو عام 1952، بعد وقت قصير من خوض القوات التركية القتال ببسالة مع الحلفاء في كوريا. ووقف الأتراك بقوة ضد الاتحاد السوفياتي لعقود. حيث تمتلك تركيا بعد الولايات المتحدة ثاني أكبر عدد من القوات في الحلف.
ومع نهاية الحرب الباردة، تغيرت مهمة حلف الناتو ورأى البعض الحركة الإسلاموية باعتبارها العدو الاستراتيجي الجديد. وبالفعل في عام 1995، قارن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ويلي كلاس بين الإسلاموية والعدو التاريخي: "الأُصولية على الأقل بنفس الخطورة التي كانت عليها الشيوعية." وأضاف أنّه بانتهاء الحرب الباردة "برزت النزعة القتالية الإسلاموية ربما كأخطر تهديد وحيد لحلف الناتو والأمن الغربي."
والواقع أن حلف الناتو تذرع أولاً بالمادة 5 من ميثاقه، داعياً إلى "الدفاع الجماعي عن النفس" لخوض حرب ضد طالبان في أفغانستان عام 2001، رداً على هجمات 11 سبتمبر التي شُنت من تلك الدولة.
وفي الآونة الأخيرة، يحتج رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أزنار بأن "الإرهاب الإسلاموي هو تهديد مشترك جديد ذو طبيعة عالمية يُعرٍّض وجود أعضاء حلف الناتو ذاته للخطر"مُؤيداً لتركيز الحلف على قتال "الجهادية الإسلامية وانتشار أسلحة الدمار الشامل". كما يدعو إلى "وضع الحرب ضد الجهاد الإسلامي في قلب استراتيجية الحلفاء".
كلاس وأزنار على حق. إلا أن رؤيتهما الآن على المحك، لأن الإسلاميين اخترقوا التحالف المكون من 28 دولة، كما يتضح ذلك بشكل كبير في الأيام الأخيرة.
رئيسا الوزراء رجب طيب أردوغان (إلى اليسار) وأندرس فوغ راسموسن عام 2002. |
ومع ختام فترة الأمين العام ياب دي هوب شيفر في يوليو، ظهر توافق في الآراء لجعل رئيس الوزراء الدنماركي أندرس فوغ راسموسن البالغ من العمر 56 عامًا خلفاً له. لكن فوغ راسموسن كان في منصبه في أوائل عام 2006، عندما اندلعت أزمة الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، وأصر على أنه كرئيس للوزراء لا يملك سُلطة إخبار صحيفة خاصة بما لا يمكنها نشره. وقد سببَ له هذا الموقف الكثير من الانتقادات من المسلمين، بما في ذلك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي وجّه فوغ راسموسن في ذلك الوقت بأن "الحريات لها حدود، وما هو مقدس يجب احترامه".
وعندما جاء فوغ راسموسن إلى منصب الناتو، واصل أردوغان تذمره، قائلاً إن حكومته تنظر "بشكل سلبي" إلى ترشيح فوغ راسموسن، لأنه كما أوضح أردوغان، "طالبت باجتماع للقادة الإسلاميين في بلاده لشرح ما يجري لكنه امتنع عن فعل ذلك. فكيف أتوقع منه أن يساهم في السلام؟"
في النهاية، تم اختيار فوغ راسموسن كمرشح بالإجماع، ولكن بثمن غالٍ. فلم يفز الدنماركي بالوظيفة إلا بعد الدخول في مفاوضات مكثفة مع الرئيس التركي عبد الله جول التي استضافها باراك أوباما. وعد فوغ راسموسن بتعيين اثنين على الأقل من الأتراك ومعالجة مخاوف المسلمين بصورة علنية بشأن رده على الرسوم. وأعلن أردوغان على نطاق أوسع. أن أوباما "أعطانا ضمانات" بشأن التحفظات التركية بشأن فوغ راسموسن.
يمكن الاستدلال على العراقيل التي كان على فوغ راسموسن أن يتخطاها للفوز بدعم أنقرة من خلال تصريحاته المتذللة مثل أهل الذمة للفوز بالمنصب: "بصفتي الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، سأقوم بالتواصل الواضح مع العالم الإسلامي لضمان التعاون وتكثيف الحوار مع العالم الإسلامي. إنني أعتبر تركيا حليفًا وشريكًا استراتيجيًا مهمًا للغاية، وسأتعاون معها وسأسعى لضمان أفضل تعاون مع العالم الإسلامي ".
يبدو أننا نشهد ظهوراً ليس لحلف شمال الأطلسي القوي باتباع نموذج كلاس- أزنار، الذي يقود المعركة ضد الإسلام الراديكالي، ولكن نشهد ظهور مؤسسة تعثرت من الداخل، غير قادرة على التصدي للتهديد الاستراتيجي الرئيسي خوفًا من الإساءة إلى حكومةٍ عضو في الحلف.
وليست الحركة الإسلاموية هي المشكلة الوحيدة لحلف الناتو مع تركيا. فيما يبرز باسم الحرب الباردة في الشرق الأوسط، حيث تقود طهران فصيلًا وتقود الرياض الفصيل الأخر، انحازت أنقرة مرارًا وتكرارًا إلى الفصيل السابق - الذي استضاف محمود أحمدي نجاد، مناصرةً لبرنامج إيران النووي، وتطوير حقل نفط إيراني، ونقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله، ودعم حماس علنا، و إدانة إسرائيل بشراسة، وتحويل الرأي العام التركي ضد الولايات المتحدة.
وفي إشارة إلى هذه التغييرات، تحث كاتبة العمود كارولين جليك واشنطن على "نشر فكرة إخراج تركيا من الناتو". إدارة أوباما ليست على وشك القيام بذلك؛ ولكن قبل أن تجعل أنقرة حلف شمال الأطلسي عديم الجدوى، يجب على المراقبين المتحمسين التفكير بعناية في هذه الفكرة.
إضافات 6 أبريل 2009: (1) على الرغم من تصريحاته القوية حول عدم وجود نية للاعتذار عن الرسوم الكاريكاتورية، فوغ راسموسن قام بذلك في إسطنبول اليوم أثناء مشاركته في حلقة نقاشية في مؤتمر يهدف إلى بناء الجسور بين العالم الإسلامي والغرب:
أحترم الإسلام كإحدى الديانات الرئيسية في العالم وكذلك رموزه الدينية... شعرت بحزن عميق لأن الرسوم الكاريكاتورية نظر إليها الكثير من المسلمين باعتبارها محاولة من الدنمارك للتمييز والإهانة أو التصرف بغير احترام تجاه الإسلام أو النبي محمد. ولا شيء في ذهني أبعد من ذلك.
وتابع راسموسن وعده: "خلال فترة ولايتي كأمين عام لحلف الناتو، سأولي اهتماماً وثيقا للحساسيات الدينية والثقافية لمختلف المجتمعات التي تسكن عالمنا التعددي والمعولم بشكل متزايد."
تعقيب: يا لها من فرصة ضائعة، كان ينبغي أن يستغل فوغ راسموسن المناسبة لشرح طبيعة حرية التعبير وكيف تمتد حتى إلى الموضوعات الإسلامية.
(2) أدرك أن الناتو ليس لديه آلية لإخراج عضو من الحلف. وإذا لزم الأمر، إن لم تفِ أنقرة بالتزاماتها، يمكن تجميدها من المشاركة الهادفة.
تحديث 5 نوفمبر 2009: أتابع هذا الموضوع في "تركيا خارج حلف الناتو: أصوات أخرى."