يقول دانيال بايبس ان تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون الأخيرة عن السلام توحي بتحوّل كبير في سياسته تجاه الفلسطينيين، لكنه يتساءل ان كنا نستطيع ان نأخذ كلامه على ظاهره.
فقد أعلن شارون ان "خريطة الطريق" التي تدعمها واشنطن قد بقيت لها "اشهر من الحياة" واذا استمر الفلسطينيون في عدم الالتزام بتطبيق الجزء المتعلّق بهم من الخطة، فإن اسرائيل "ستقوم بخطوات احادية الجانب وتفك ارتباطها مع الفلسطينيين".
ان فك الارتباط هذا، على حد قول شارون، يشمل اعادة انتشار القوات الإسرائيلية وفقاً لضرورات أمنية جديدة، واعادة توزيع المستوطنات بهدف تخفيض عدد الإسرائيليين الذين يعيشون بين الفلسطينيين. وستعتمد الترتيبات الأمنية الجديدة على القوات الإسرائيلية و"الجدار العازل" وعوائق وحواجز أمنية أخرى.
لعل المفاجئ في تصريح شارون هو قوله بأنه "ليس من المسموح بعد الآن بناء المستوطنات وراء الخط الحالي ومصادرة الأراضي من الفلسطينيين من اجل المشاريع الإستيطانية، وقد الغت الحكومة الحوافز المالية لهذه الاغراض".
رغم أن شارون قدّم مبادرته بنبرة قوية توحي بأنه يقول للإسرائيليين "خذوا الأمور بأيديكم"، إلاّ انه أعطى ثلاث إشارات تشجع الفلسطينيين على المضي بالإرهاب هي الآتية:
اولاً: سيظن الفلسطينيون ان الأعمال الإرهابية التي قاموا بها قد نجحت في تحقيق بعض مطالبهم مثل تفكيك بعض المستوطنات ومنع قيام مجمعات سكنية جديدة.
ثانيا: سيظن الفلسطينيون ان اسرائيل بدأت تضعف. رغم ان شارون قدّم خطة كإنذار للفلسطينيين وبنبرة عدائية، إلا ان جوهرها يحتوي على تنازلات. وقد علق السياسي والأكاديمي الفلسطيني زياد ابو عمرو على تصريح شارون قائلاً أن الفلسطينيين المتطرفين يراقبون الجدل الدائر في اسرائيل عن قرب وسيلاحظون التنازلات التي يتضمنها تصريح شارون وسيعتبرونها "نتيجة لنضالهم".
ثالثاً: سيظنّ الفلسطينيون ان الإسرائيليين خائفون لأنهم سيضعون المزيد من الحواجز ويعيدون انتشار قواتهم المسلحة في الأراضي الفلسطينية. ان بناء جدار للاختباء خلفه يعني للفلسطينيين ان الإسرائيليين خائفون، وهم يقبعون وراء تحصيناتهم بنفوس محطمة وخائفة.
اذا اخذنا تصريح شارون على ظاهره يمكننا القول انه كان خطاباً انهزامياً وغلطة كبيرة، واذا نفّذ بحذافيره سيشجّع الفلسطينيين على المزيد من اعمال العنف ويؤخر حل النزاع العربي الإسرائيلي.
لا شك ان هذه الإستراتيجية تتناقض مع سابقاتها من سياسات شارون. مثال على ذلك، حين كان شارون وزير خارجية عام 1998 حضّ الإسرائيليين على احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية وقال لهم ان كل ما يضع الإسرائيليون يدهم عليه هو لهم، وكل ما نتركه سيبقى في ايدي الفلسطينيين.
هذا يدفعني الى الاستنتاج الآتي: شارون يمارس الحزم ضد الفلسطينيين ليقمع الإرهابيين منهم، في حين انه يظهر تنازلات ليثبت للرئيس الأميركي جورج بوش انه يريد السلام، ولا يريد إطالة أمد النزاع. ولعل الحفاظ على سياستين متناقضتين ليس سهلاً. وقد مارس شارون هذا الأسلوب ببراعة فائقة لمدة من الزمن.
لا أدّعي انني اعلم ماذا يفكر به شارون، فهو لا يعطيني اسراره، لكنني اعتقد ان تصريحه الأخير هذا كان تنازلاً يريد تقديمه الى الرأي العام الإسرائيلي الذي يريد اجراءات فاعلة وسريعة ومباشرة وليس تلك الإجراءات الرادعة وطويلة الأمد.
ان شارون داهية في السياسة، يعلم متى ينحني، وقد وضع خطة (في هذا الخطاب) لا يتمنّى تنفيذها.