خلال رحلتي على متن الخطوط الجوية التركية، اكدت قائمة الوجبات أن الاختيارات خاليه من لحم الخنزير بينما عرضت القائمة مجموعة من
المشروبات الكحولية، بما في ذلك الشمبانيا، ويسكي، الجن، الفودكا، راقي، النبيذ والبيرة، والمسكرات، وكونياك. ان هذا المثال على غرابة التمسك وتجاهل الشريعة الإسلامية في نفس الوقت، يرمز إلى الدور المعقد للإسلام في تركيا اليوم.
المناقشات السياسية حول تركيا عادة تميل للسؤال ما ان كان حزب العدالة والتنمية إسلامي أم لا: في عام ٢٠٠٧، على سبيل المثال، سألت "ما هي نوايا قيادة حزب العدالة والتنمية؟ هل ا بقت على برنامج إسلامي سري وتعلمت تمويه أهدافها الإسلامية؟ أم هل فعلا تخلت عن تلك الأهداف وقبلت العلمانية "؟
خلال المناقشات التي جرت مؤخرا في اسطنبول، اكتشفت أن الأتراك ذوا وجهات نظر مختلفة يتوافقوا على رأي حول رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. أنهم يقلقون من نزعاته القومية والديكتاتورية أكثر من طموحاته الإسلامية.
يقولون ان تطبيق الشريعة الإسلامية بالكامل، ليس هدفا قابلاً للتحقيق في تركيا بسبب طبيعة البلد العلمانية والديمقراطية، شيء يميزها عن سائر البلدان ذات الأغلبية المسلمة (باستثناء ألبانيا وكوسوفو، ويوراشيا). بقبول هذه الحقيقة، يفوز حزب العدالة والتنمية بدعم في الانتخابات أكثر من أي وقت سابق وبهدوء يقوم على إكراه الشعب على أن يكون محافظ ومتدين وخلوق. وهكذا، فإنه يشجع الصيام خلال شهر رمضان وتواضع الإناث، يثبط استهلاك الكحول، يحاول تجريم الزنا، يتهم الفنانين المعارضين للإسلام، يزاد من عدد المدارس الدينية ويضاف الإسلام إلى المنهج الدراسي العام، وعرض الأسئلة حول الإسلام في امتحانات القبول بالجامعة. الخطوط الجوية التركية ازالت لحم الخنزير وأنها مسألة وقت حتى يختفي الكحول أيضا.
قال لي محاوري ان الممارسة الإسلامية، ليس القانون الإسلامي، هو الهدف. تقطيع اليد، البرقع، العبودية، والجهاد ليسوا في الصورة، و بعد النمو الاقتصادي في العقد الماضي الذي يقوى الطبقة الوسطى ذو التوجه الإسلامي، التي ترفض أسلوب السعودية في تطبيق الإسلام. أشار أحد زعماء المعارضة أن خمس مناطق من اسطنبول "تبدو وكأنها أفغانستان"، ولكن هذه هي الاستثناء. سمعت أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى عكس المضادة للتدين في دولة أتاتورك دون تقويض تلك الدولة، تطمح إلى إنشاء نظام ما بعد أتاتورك أكثر من نظام يضاد أتاتورك. يسعى، على سبيل المثال، للسيطرة على النظام القانوني القائم بدلا من إنشاء قانون إسلامي جديد. الكاتب الصحفي مصطفى أكيول يجادل ان حزب العدالة والتنمية لا يحاول إلغاء العلمانية إلا أنه "يجادل لتفسير أكثر ليبرالية من للعلمانية." يقولون ان حزب العدالة والتنمية يحاكي الدولة العثمانية البالغة من العمر ٦٢٣ عاما لتى قضى عليه أتاتورك عام ١٩٢٢، والإعجاب على حد سواء بتوجهاتها الإسلامية وهيمنتها على البلقان والشرق الأوسط.
يتبين هذا التوجه النيو-العثمانية في تطلع رئيس الوزراء لإن يكون الخليفة الغير رسمي، بأن يغير في التركيز من أوروبا إلى الشرق الأوسط (حيث أنه من المحتمل ان يكون بطل الشارع العربي)، ويقدم المعادلة السياسية والاقتصادية لحزب العدالة والتنمية للبلدان الإسلامية الأخرى، مثل مصر. ( دافع أردوغان بشدة عن العلمانية خلال زيارة قام بها هناك ،مما ادى إلى فزع "جماعة الإخوان المسلمين"، ونظر بارتياب الى محمد مرسى الذى يحشر الشريعة أسفل حلوق المصريين.) وبالإضافة إلى ذلك، تساعد أنقرة النظام الإيراني تجنب العقوبات ، ترعى المعارضة السنية ضد بشار الأسد بسوريا اختارت معركة صاخبة، لا مبرر لها مع إسرائيل، وهددت قبرص بسبب الغاز تحت الماء، وحتى تدخلت في محاكمة زعيم إسلامي في بنجلاديش
وبعد عملية احتيال "الدولة العميقة،" لا سيما سلاح ضابط عسكري، في منتصف عام ٢٠١١، تزايدت السلطة الاستبدادية لحزب العدالة والتنمية، إلى درجة أن العديد من الأتراك يخشون الدكتاتورية أكثر من الأسلمة. يشاهدون أردوغان، الذى "تسكره السلطة" يسجن المعارضين على أساس نظريات المؤامرة والتنصت على الخطوط الهاتفية وإظهار مراحل المحاكمات، يهدد بقمع زي مسلسل تلفزيوني ، يسعى إلى فرض ذوقه الشخصي على البلد، يشجع معاداة السامية، يمنع النقد السياسي، يبرر اتخاذ تدابير قوية ضد احتجاج الطلبه، بالتلاعب في الشركات الإعلامية، يميل على السلطة القضائية ويبيد مفهوم الفصل بين السلطات. الكاتب بوراك بيكديل يسخر منه بتسميته "رئيس تركيا المنتخب فى الهندسة الاجتماعية"، يرى آخرون صورة مظلمة اكثر له، أن يكون اجابة تركيا لفلاديمير بوتين، الذي هو شبه ديمقراطي متغطرس بقى في السلطة منذ عقود و لا يزال فيها. لقد تحرر أردوغان من الرقابة العسكرية في منتصف عام ٢٠١١، أرى أن ربما يفوز بما يكفي من القوة الديكتاتورية له (أو خليفه) لتحقيق حلمه والتنفيذ الكامل لأحكام الشريعة الاسلامية