«الولايات المتحدة استثمرت بسخاء فى جماعة الإخوان حتى تكون (منقذ مصر)، ومن أجلها ضحى أوباما بالجنرالات لشريك واشنطن الأساسى فى مصر».. هذا ما يعتقده المؤرخ الأمريكى الشهير دانيال بايبس المعروف بعدائه لجماعات الإسلام السياسى.
بايبس يرى أن أفكار الإخوان -التى تعود للقرون الوسطى- خطر على المسلمين والغرب، ويرى أنها تنظيم متطرف مثل باقى الجماعات الإسلامية، ويؤكد فى حواره مع «الوطن» أن الجماعة عاشت على أموال الدول النفطية الغنية ولم تكن جماعة محظورة ولا مضطهدة منذ عام 1974، وأن القوة الليبرالية والعلمانية هى التى تعرضت للاضطهاد والملاحقة فى عهدى السادات ومبارك، فى حين سمح مبارك للإخوان بدخول البرلمان ليمثلوا دور المعارضة الزائفة، وفى المقابل دعمه مهدى عاكف، مرشد الجماعة وقتها، كرئيس لمصر فى 2005.
وأشار بايبس أن نفوذ ضباط الجيش المنتمين إلى الإخوان أو المتعاطفين معهم كبير واستعان بهم مرسى فى الإطاحة بطنطاوى، ولكنه لم يستبعد أن ينقلب الجيش على الرئيس بسبب المصالح الاقتصادية، خصوصاً أن داخل الجيش قوات مناهضة للإسلاميين.
* كيف ترى مستقبل الإخوان الذين انتقلوا لأول مرة فى تاريخهم من معارضة مقموعة إلى حكم مصر؟
- لا أستطيع أن أتنبأ بمستقبل جماعة الإخوان، لأن مستقبلها يعتمد على متغيرات كثيرة جداً، خصوصاً أن أعداداً كبيرة من المصريين يعارضون استيلاء الإخوان على سلطات ديكتاتورية وفرض دستور إسلامى على البلد، ولا أحد يعرف كيف يمكن أن تنتهى هذه الدراما.
كما أن لى تحفُّظ على صيغة سؤالك، فالإخوان لم يكونوا مضطهدين، على الأقل منذ عام 1974 عندما سمح لهم الرئيس السادات بالعودة للحياة العامة، التعبير الأدق أنهم كانوا «معارضة برلمانية» وعلى سبيل المثال، كان قادتهم مثل سعد الكتاتنى ومحمد مرسى أعضاء بالبرلمان تحت حكم مبارك. وبالنظر إلى أن مبارك لم يسمح أبداً بانتخابات حرة ونزيهة، فإن وجودهم تحت قبة البرلمان فى عهده تم برضاه ومباركته، وبنفس «روح المعارضة الزائفة» أيّد مرشد الجماعة وقتها مهدى عاكف، مبارك لتولى فترة رئاسية جديدة فى عام 2005 وأثنى عليه. الواقع أن الجماعات العلمانية والليبرالية كانت هى المعارضة الحقيقية المضطهدة والمحظورة فى مصر.
* وماذا عن مستقبل مصر التى تمر بمرحلة انتقالية غامضة، مصارعها مفتوحة على كل الأبواب؟
- مستقبل مصر يتوقف على ذكاء الإخوان فى استخدام السلطة وكفاءتهم فى درء الكارثة الاقتصادية التى تهدد مصر الآن، واستمرار تماسك الجيش، وقدرة المعارضة على التنسيق فيما بينها. الأمر يعتمد أيضاً على عوامل دولية مثل استعداد دول الخليج والغرب لمواصلة دعمهم لحكومة مرسى مالياً وعسكرياً، ولو تخلت هذه الدول عن مرسى لتعرض استقرار مصر لهزة كبيرة.
* البعض يرى جماعة الإخوان معتدلة، وهناك من يراها جماعة لا تقل تطرفاً عن غيرها وتمثل خطراً على مفهوم الدولة الحديثة.. أين تقف أنت منهم؟
- الإخوان أكثر حداثة مقارنة بالسلفيين، لكن الفارق ليس فى العقيدة أو المنهج. الإخوان أكثر براجماتية وواقعية لكن البراجماتية لا تعنى الحداثة، فالجماعة فى تفكيرها تعود للعصور الوسطى وأفكارها متطرفة، وتطبيق الشريعة -كما يفهمونه- ليس هو طريق التقدُّم بالنسبة للمسلمين، فهو كارثة، وتجارب السودان، وإيران وأفغانستان تؤكد ما أقول.
* كتبتَ كثيراً عن جماعات الإسلام السياسى. متى وكيف بدأ هذا التيار الذى بات يُحكم قبضته على كثير من دول المنطقة؟
- فى عام 1983 كتبتُ كتاباً بعنوان «فى طريق الله» وقلت فيه إن الثروة النفطية كانت عاملاً رئيسياً فيما كان يُعرف آنذاك باسم «إحياء الإسلام» وظهور الإسلام السياسى، لكن الآن أنا أميل إلى تفسير هذه الظاهرة المعقّدة باعتبارات أخرى، فالمسلمون جربوا الطريق الليبرالى الذى سلكه البريطانيون والفرنسيون فى الفترة بين عامى 1800 و1920، ثم جربوا المنهج غير الليبرالى الذى سلكه الروس والألمان فى الفترة بين عامى 1920 و1970، ولم يجنوا من الطريقين شيئاً فتحولوا إلى مسار ثالث، وهو العودة إلى الشريعة، هذا المسار دعمته بقوة الدول النفطية لأسباب يطول شرحها.
* وما الدور الذى لعبه الإخوان فى هذا الصدد؟
- «الإخوان» بجانب الجماعة الإسلامية وآية الله الخمينى كانت من أوائل تنظيمات الإسلام السياسى وأكثرها نفوذاً فى العالم واستفادت كثيراً من تمويل دول النفط الغنية لها وتحديداً السعودية وقطر وليبيا وإيران.
* هل صحيح أن الحكومات الغربية وأجهزة مخابراتها (خصوصاً البريطانيين والأمريكيين) ساعدت فى تغذية الإخوان كأدوات لمحاربة خصومهم والحفاظ على مصالحهم؟
- نعم، هذا صحيح، وعلى سبيل المثال كشفتُ فى مقالة سابقة فى عام 2010 كيف ساعدت الحكومتان البريطانية والأمريكية الشيخ حسن البنا، ومن بعده سعيد رمضان زوج ابنته، وحفيده الدكتور طارق رمضان. هذا الدعم كان جزءاً من نمط وخطة أوسع لدعم الإخوان وحركات إسلامية أخرى منذ زمن بعيد، وخلال الحرب الباردة، كان الغرب الرأسمالى ينظر إلى الإسلاميين باعتبارهم حائط صد ضد الشيوعية ونفوذ الاتحاد السوفيتى فى المنطقة، واليوم، ينظر الغرب إلى الجماعات الإسلامية (التى لا ترفع السلاح) كحلفاء لهم فى مواجهة الجماعات الإسلامية العنيفة. وتقديرى أن هذه الدول واهمة ومخطئة فى تحالفها معهم، إذ لا وجود لجماعات إسلام سياسى معتدلة.
* قلتَ إن الرئيس نجح فى التخلص من المشير طنطاوى اعتماداً على عناصر ضباط الجيش من الإخوان الذين علموا بنوايا المشير فى الانقلاب على مرسى فى 24 أغسطس الماضى وساعدوا الرئيس فى إجهاض هذه الخطة، هل لديك أى أدلة لدعم هذا الافتراض؟
- نفوذ ضباط الجيش المتعاطفين مع الإخوان أكبر مما تخيل الجميع، وهم إما أعضاء بالجماعة وإما متعاطفون معها، والجماعة تنكر انتماء وزير الدفاع الحالى عبدالفتاح السيسى إليها، لكن أحد قادتها أقر أنه ينتمى إلى «أسرة الجماعة» غير الرسمية، والواقع أن كثيراً من المسئولين الكبار الذين يدعمون الجماعة، متعاطفون معها وليسوا أعضاء رسميين بها.
واستطاع السيسى كرئيس للاستخبارات العسكرية، الحصول على معلومات حول «انقلاب 24 أغسطس» وتعقب المسئولين العسكريين الموالين لطنطاوى وقام بفصلهم، وهناك شواهد أخرى تؤكد كلامى، منها اعتراف طارق الزمر -القيادى الجهادى وأحد مؤيدى مرسى، وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة- بأن اختيار السيسى كان يهدف إلى إجهاض انقلاب عسكرى على مرسى. كما أن اللواء عباس مخيمر الذى كان مسئولاً عن تطهير القوات المسلحة من الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى كان متحالفاً مع الإخوان، إن لم يكن عضواً بها، وعموماً سبق للإخوان اختراق الجيش فى الأربعينات من القرن الماضى، ودعموا «الضباط الأحرار» الذين أطاحوا بالملك فاروق فى عام 1952.
وبعد حظر الجماعة وملاحقتها من جانب النظام فى مصر فى الفترة بين عامى (1954 - 1974)، أعاد الإخوان بناء شبكة من ضباط الجيش بطرق غير مرئية وغير معروفة للمراقبين الخارجيين، و«ثروت الخرباوى» -أحد قادة الجماعة السابقين- اعترف أن بعض أعضاء الجماعة «أصبحوا من كبار القادة فى الجيش».
* هل هذا يعنى أن الجيش لن يتحرك ضد مرسى مهما حدث؟
- الجيش المصرى قد ينقلب على مرسى، لأنه يضم عناصر مؤيدة وأخرى مناهضة للإسلاميين، وفيه جنرالات وجنود، ولديه مصالح اقتصادية وأيديولوجية. أنا لا أعرف الجيش المصرى من الداخل بما يكفى لأحكم على قدرته على التماسك فى المستقبل، لكن ما أعلمه أن معظم الضباط الكبار متحالفون مع الجماعة، لكن هناك عناصر منشقة مثل «ضباط من أجل الثورة»، ومن المفارقات أن تحرُّك مرسى السريع جداً للاستيلاء على السلطة وفرض دستور إسلامى سلبه نجاحه فى تحجيم العسكريين فى 12 أغسطس الماضى، وأعادهم مرة أخرى إلى الساحة السياسية.
* نقرأ كثيراً فى الصحف الغربية عن محاولات جماعة الإخوان اختراق المؤسسات الأمريكية، هل هذا صحيح أم أن الأمريكان يعانون مثلنا من هوس بنظرية المؤامرة التى قلت فى أحد كتبك إن شعوب الشرق الوسط مسكنون بها؟
- هذه ليست نظرية مؤامرة، بل هى حقيقة واقعة. الوثيقة التى تُعرف باسم «مذكرة تفسيرية للهدف الاستراتيجى للجماعة فى أمريكا الشمالية»، التى تُحدد أهداف الجماعة فى الولايات المتحدة. (يشير بايبس إلى المذكرة التى انفردت «الوطن» بنشرها فى 30 سبتمبر الماضى، والتى كتبها عضو بالجماعة يحمل اسم «محمد أكرم» بتاريخ 22 مايو 1991، قبل أن تتسرب إلى أجهزة الأمن العربية).
* فى رأيك أىٌّ من القوتين الرئيستين فى مصر (الجيش والجماعة) الحليف الأقرب إلى الولايات المتحدة؟
- يبدو أن إدارة أوباما قد استثمرت فى الجماعة حتى تكون «منقذ مصر»، لدرجة أنها ساعدتها على تهميش الجيش فى الصيف الماضى. وأنا أختلف بشدة مع هذا النهج، وأرى فى الإخوان «عدو الولايات المتحدة الحقيقى»، وكنت أتمنى لو وجهت أمريكا دعمها للقوى العلمانية والليبرالية، فى مصر.
دانيال بايبس
مؤرخ ومستشرق أمريكى، وكاتب سياسى، متخصص فى شئون الشرق الأوسط، وحركات الإسلام السياسى.
عمل محاضراً فى جامعات أمريكية كبيرة، على رأسها «هارفارد» و«شيكاغو» و«بيبردين»، وحاضر فى 25 بلداً باعتباره خبيراً فى تاريخ المنطقة والإسلام.
يرأس حالياً مركز دراسات «منتدى الشرق الأوسط»، الذى أسسه عام 1990.
له نحو 18 كتاباً أشهرها «فى طريق الله.. الإسلام والسلطة السياسية» و«سوريا الكبرى» و«الإسلام الجهادى فى أمريكا».
قضى عدة سنوات فى مصر، وله كتاب عن اللهجة المصرية صدر عام 1983.
يشارك بمقالاته فى كبريات الصحف الأمريكية، ومنها «واشنطن بوست»، «نيويورك تايمز»، و«وول ستريت جورنال».
درس اللغة العربية والقرآن وتاريخ المنطقة وحصل على ليسانس فى التاريخ من جامعة «هارفارد» عام 1971 بعد دراسة عن «الإمام الغزالى».
حصل على الدكتوراه من جامعة «هارفارد» فى التاريخ الإسلامى ونشر رسالته فى كتاب بعنوان «الجنود العبيد والإسلام» عام 1981.
عمل بداية من عام 1983 بقسم تخطيط السياسات فى وزارة الخارجية الأمريكية.
عمل لسبع سنوات مديراً لمعهد أبحاث السياسة الخارجية بفيلاديلفيا.
فى 2003 رشحه الرئيس جورج دبليو بوش لإدارة المعهد الأمريكى للسلام لمدة عام واحد.
ولد بايبس فى عام 1949، ووالده هو ريتشارد بايبس مؤرخ معروف، وهو من أصول (يهودية - بولندية).