في مثل هذا الأسبوع، وتحديداً ألأول من كانون ألثاني عام 1996 اصبح عبدالله بن عبد العزيز وصياً على العرش ألسعودي، و في مثل هذا الذكرى تحين الفرصة لمراجعة تغيرات المملكة تحت قيادته و تحديد اتجاهها.
ان المملكة بلا شك اكثر بلاد العلام غرابة و غموضاً، فهي مكان لا يتواجد فيه صالة لعرض الافلام السينمائية، يمنع على النساء قيادة السيارة، الرجال يتولون بيع ملابس النساء الداخلية،و الضغط على مفتاح واحد يمكنه ان يغير البنية التحتية لإنتاج النفط، بل و حتى يمكن للحاكم تفريغ وعاء الديمقراطية برمته. تم تبديل كل ذلك بوسائل اصلية و ناجحة في القبض على زمام السلطة.
هنالك ثلاثة مميزات تعرف النظام: سيطرته على المدن المقدسة مكة و المدينة، التزامه بالتفسير الوهابي للإسلام، و امتلاكه لأكبر احتياطي نفط في العالم. الإسلام يعرف هوية النظام، ألوهابية تلهمه تطلعات عالمية، و الثروة النفطية تمول مشاريعه و مغامراته.
في طليعة كل ذلك فان ثروته التي تجاوزت حدود الجشع صرحت للسعوديين التعامل مع التحديث بطرقهم الخاصة، فتراهم قد وضعوا لبس الجاكيت و الرباط جانباً، تم استبعاد النساء عن أماكن العمل، و ها هم يتطلعون الى استبدال تقويت جرينتش بتوقيت مكة.
منذ اعوام عدة كان النقاش المركزي في المملكة يدور بين تفسير العرش للوهابية و تفسير اقرب الى تفسير طالبان لها، أي بعبارة اخرى نقاش بين قراءة متشددة و قراءة متعصبة بكل معنى الكلمة. أما اليوم و بفضل جهود عبد الله، نرى اكثر بلاد العالم تخلفاً بدأت تخطوا بحذر لمشاركة العالم الحديث. أن لهذه الجهود ابعاد عدة من تعليم الاطفال الى وسائل اختيار القيادة السياسية، و لكن أهمها و بلا نقاش هو الصراع بين الاصلاحيين و المتشددين.
ان من الصعب على من يعيش خارج المملكة متابعة مثل هذا الصراع لغموض شروطه و روابطه. و لكن الهولندي رويل ميجر المتضلع في امور الشرق الاوسط يوفر لنا الدليل الخبير في مقاله المعنون " الإصلاح في السعودية ألعربية: نقاش الاختلاط بين الجنسين"، و يصور لنا كيف ان النقاش حول الاختلاط يلهم نقاش اكثر مركزية حول مستقبل المملكة و تطورات مثل هذا النقاش.
أن التشدد الحالي في مسالة الاختلاط لا تعكس عادة قديمة فحسب وانما تعكس نجاح حركة الصحوة بعد حدثين في عام 1979: أولهما الثورة الإيرانية , ثانيهما احتلال متشددين للحرم ألمكي على نمط اسامة بن لادن.
وصل عبد الله رسمياً الى العرش في منتصف 2005، و سرعان ما بدأ باتخاذ خطوات لحل ما يجوز تعريفه بالتفرقة العنصرية بين الجنسين. تم أتخاذ خطوتين في هذا الاتجاه في 2009 اولهما تغييرات في الطاقم الاداري الحكومي في شهر شباط و ثانيهما افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم و التكنلوجيا المختلطة في حصصها بل و حتى في رقصاتها.
سرعان ما احتد النقاش، و انطلقت الصيحات من العائلة المالكة، رجال السياسة، علماء الدين، و رجال الثقافة. " رغم ان وضع النساء عامة تحسن بعد الحادي عشر من أيلول، و لكن مسالة الاختلاط عرفت حدود الصراع بين الإصلاحيين و ألمحافظين. ان أية محاولة للتخفيف من ألتشدد في فرض الفصل بين الجنسين يعتبر هجوماً مباشراً على مكانة ألمحافظين بل و حتى الإسلام نفسه".
يتطرق المؤلف بعد ذلك في مقالته:" ان من الصعوبة الاستنتاج ان كانت الاصلاحات قد نجحت و ان كان المحافظين او الاصلاحيين قد احرزوا أي تقدم ملحوظ، رغم ان الاتجاه العام يشير الى تقدم الإصلاحيين، و لكن الإصلاح عموماً تدريجي، متردد، غير واضح، و يواجه مقاومة شديدة".
رغم ان المملكة تحت قيادة عبد الله تشجع إسلاما اكثر تسامحاً و انفتاحاً و لكن ميجر يشير:" أن المعركة لم تحسم بوضوح كما هو الحال في مسألة الاختلاط. ان الكثير من السعوديين قد ضاقوا ذرعاً بتدخل رجال ألدين في حياتهم اليومية، بل و حتى ألبعض يتكلم بحركة مضادة لرجال ألدين. أما الليبراليون فيتكلمون بلغة غريبة على مسامع السعوديين و على ضوء ذلك لا يمكن تصور ان لهم تأثير ملحوظ من بعيد او قريب على الجماهير".
خلاصة الأمر أن السعودية لا تزال في منصف الطريق في النقاش اعلاه، و المستقبل غي واضح في معالمه و يصعب ألتخمين به و على ضوء ذلك فان النقاش بمفرده غير كافي لتحديد ألمستقبل ، و بلا شك ان أعمار و شخصيات رجالها لها دورها ألمستقبلي. لا احد يعلم الى متى يظل عبد الله على العرش و عمره 86 عاماً، و ان كان ولي عرشه ، الاخ غير الشقيق سلطان بن عبد ألعزيز ألمريض حالياً و عمره 82 عاماً سيتولى العرش.
أن السعودية هي أكثر بلد إسلامي ذات تأثير عالمي، و تداعيات ما يجري فيها يتجاوز حدودها و حدود البلاد الإسلامية عموماً. أن متابعة ما يدور فيها من نقاش يستحق ألملاحظة.