ألنكبة كلمة مرادفة للكارثة بكل ما تحمل هذه ألكلمة من عواطف سلبية من يأس، غضب، هزيمة، و حتى ألكراهية. دخلت هذه ألكلمة في مصطلحات ألقواميس ألانكليزية، ويعرفها موقع ألانتفاضة ألألكتروني ألمناهض لإسرائيل ب " ترحيل و طرد مئات ألآلاف من ألفلسطينيين من بيوتهم و أرضهم في عام 1948".
أصبح يوم ألنكبة موازياً ليوم قيام إسرائيل، ويطرح كرواية قصصية تثير ألكثير من ألانفعالات سنوياً ، حتى أن بان كي مون، ألأمين ألعام للأمم ألمتحدة قد أرسل رسالة تضامن ألي ألشعب ألفلسطيني سابقاً في ذكرى ألنكبة، رغم رئاسته لنفس ألمنظمة ألتي خلقت دولة إسرائيل. أما في داخل إسرائيل فترى مجتمع فلسطيني يهودي يعني بالتقارب ألثقافي و السلمي بين ألطائفتين و يحتفل بيوم ألنكبة بكل ما تعني ألكلمة.
أن مذهبية ألنكبة تطرح ألشعب ألفلسطيني كضحايا لم تكن لهم حرية اختيار ولا يتحملوا أي قدر من ألمسؤولية في مجرى ألأحداث، و إلقاء أللوم برمته على إسرائيل بشأن مشكلة أللاجئين. أن هذا ألطرح يتلاءم مع مجريات ألأحداث يوم قيام دولة إسرائيل حيث كان أليهود يشكلون أقلية ألسكان في وقتها.
هنالك مصطلحان يجب ألانتباه أليها في متابعة ألتاريخ وهما ألحدس ألبديهي مقابل ضبط ألحقائق ألتاريخية. هنا تبرز قوة كتاب ألغدر بفلسطين بقلم ألكاتب أفرام كارش من جامعة لندن حيث يوفر لنا دقة تاريخية قبل كل شئ.
يقول ألكاتب: " لم يكن الفلسطينيون ضحايا ساءهم ألحظ من جراء ألافتراس ألهجومي ألصهيوني، و إنما أللوم يقع على عاتق ألقادة ألعرب ألفلسطينيين من أوائل ألعشرينيات الذين وقفوا ضد رغبات شعبهم آنذاك بإطلاقهم حملة بلا هوادة بالوقوف ضد أحياء ألقومية أليهودية متوجين حملتهم بالسعي لإجهاض قرار ألأمم ألمتحدة لتقسيم فلسطين". و يضيف ألكاتب: " لم تكن ألمواجهة ألفلسطينية أليهودية أمراً حتميا، بل وحتى ألصراع ألعربي ألإسرائيلي". ومع مرور ألأيام يبين ألكاتب بدأ الفلسطينيون و حلفائهم في ألغرب بإعادة كتابة قصة فلسطين مصورة إسرائيل بأنها ألمتهم ألأول و ألأخير في أورقة ألأمم ألمتحدة، و ألجامعات و افتتاحيات ألصحف. بعدها يتطرق ألكاتب بتثبيت نظريته مستنتجاً: 1 أن ألجانب أليهودي _ ألصهيوني _ ألإسرائيلي حاول إن يتوصل ألي حل وسط بينما رفض ألجانب ألفلسطيني - ألعربي – ألمسلم جميع ألعروض؛ و 2 ألعناد و ألعنف ألعربي ولد كارثة صنعت بأيدي ألعرب أنفسهم.
ألنقطة ألأولى أكثر وضوحاً وشيوعاً منذ أتفاق أوسلو ولا تزال تشكل نمط ألإحداث ألراهنة،و تتميزباتساق حسن ألنية اليهودية والرفض ألعربي منذ أيام عهد بلفور وحتى يومنا هذا. و على سبيل ألذاكرة فأن وعد بلفور في 1917 أعرب عن رغبة ألحكومة في لندن بإقامة موطن قومي لليهود ، وبعدها ب 37 يوما احتلت بريطانيا فلسطين حتى عام 1948. لم تكن هناك ردة فعل عربية تذكر في ألسنين ألأولى بعد 1917، حيث أدرك ألناس وقيادتهم أن فعالية ألمنظمة ألصهيونية ساعدت في أحياء بلد كثير ألتخلف، عميق ألفقر، و قليل ألسكان. بعدها ظهر على ألساحة، وبمساعدة ألإدارة ألبريطانية ألشخصية ألمضرة بمن حولها على مسرح ألأحداث ألمفتي أمين ألحسيني، و التي سيطرت على سياسة ألفلسطينيين لثلاثة عقود مقبلة. تشير ألمستندات التي يشير لها ألكتاب أعلاه كان لدى ألصهاينة و ألعرب عدة اختيارات، تميزت اختيار ألفريق ألأول بالبحث عن حلول وسط، و ألثاني السعي وراء ألإبادة.
كان تطرفه غير قابل للتغيير، و تمر ألسنين ويصبح مشهراً بإعجابه و ميوله للنازية. و ما حدث بعد ذلك صدامات دموية تحت قيادة ألحسيني ضد ألحركة ألصهيونية، و عزم ألمفتي على أخلاء فلسطين من أليهود. لم يكن تطرف ألمفتي ممثلا للأغلبية ألفلسطينية ألراضية بالوجود أليهودي آنذاك، و تشابكت ألأحداث مع ظهور ملك في ألأردن يسعى ألي حكم أليهود، قيادات عربية ضعيفة، أدارة بريطانية في فلسطين معادية للسامية، و حكومة أمريكية مخطئة في تقديراتها. رغم تطرف ألرأي الفلسطيني تحت قيادة ألمفتي، و نهوض ألنازية ألعالمية، لم تتوقف مساعي ألصهاينة للتعايش ألسلمي، ولكن سياسة ألمفتي ألغير قابلة للنقاش في مسألة تصفية أليهود أقنعت أدارة حزب ألعمل ومن ضمنهم ديفيد بن غوريون بان العمل ألسلمي يسير في طريق مسدود، ولكنهم لم يتوقفوا عن ألبحث عن قيادة عربية معتدلة للتعامل معها.
على عكس ألقيادة ألعمالية، فأن زيف جابو تنسكي، رائد حزب ألليكود ألحالي أنتبه في عام 1923 إلى ضآلة ألأمل في قبول ألعرب لوجود أرض إسرائيل في فلسطين مع أكثرية يهودية، ولكنه رفض فكرة طرد أليهود من فلسطين و مصراً على إعتاقهم كاملاً ضمن ألدولة ألعبرية.
وتمر ألأيام ويعلن قرار ألتقسيم في تشرين ألثاني عام 1947، والذي نسميه ألان حل وجود ألدولتين. لو تفحصت ألأمر لرأيت أن ألأمم ألمتحدة سلمت للفلسطينيين يومها دولة لهم على طبق من فضة رفضه ألحسيني ألرافض لأي حل يتضمن حكماً ذاتياً لليهود. لو تصرف بحكمة يومها لكان ألشعب ألفلسطيني يحتفل بذكرى 62 لقيام دولته.
أن ألجزء ألأصلي من هذا ألكتاب هو ألنصف ألشامل لرحيل ألجلية ألمسلمة و ألمسيحية من فن فلسطين ما بين 1947 و 1949 اعتمادا على وثائق ومستندات رسمية و بالتفصيل مبتدأً بالمدن كحيفا، يافا، طبرية، و ألقدس، مراً بعدها في ألضواحي و منتهياً بالقرى. حرب قيام إسرائيل يمكن تقسيمها ألي جزأين. ألحرب ألضارية بدأت بعد ساعات من قرار ألجمعية ألعامة في 29 تشرين ألثاني عام 1947 و استمرت ألي ليلة ألانسحاب ألبريطاني في 14 أيار عام 1948. ألصراع ألدولي بدأ يوم قيام إسرائيل في 15 أيار عندما غزوة جيوش خمسة دول عربية وانتهت في كانون ألثاني عام 1948. ألمرحلة ألأولى كانت حرب عصابات بينما ألثانية حرب تقليدية. ما يقرب ألنصف من 600000 لاجئ عربي هربوا قبل ألانسحاب ألبريطاني ومعظمهم في ألشهر ألأخير من تاريخ ألانسحاب.
هرب الفلسطينيون لأسباب مختلفة و تحت ظروف عدة. ألقادة ألعرب أيامها أمروا ألسكان ألغير ألمقاتلين بالابتعاد عن موقع حركاتهم ألعسكرية وهددوا ألمتقاعسين بمعاملتهم كخونة إن لم ينصاعوا لأوامرهم؛ أو طالبوا بأخلاء ألقرى لتحسين موقعهم في ساحة ألقتال؛ أو وعدوا ألسكان بعودة سالمة خلال بضعة أيام. بعض ألمجتمعات ألصغيرة فضلت ألهرب على مهادنة ألصهاينة كما صرح به عمدة يافا يومها" لا أمانع في تدمير يافا إذا ضمنت تدمير تل أبيب". أعوان ألمفتي اعتدوا على أليهود بغرض ألتحريض، ومن ألعوائل ألقادرة على ألهرب فعلت ذلك بدون تردد. ترك ألكثير من ألمزارعين ألعمل بعد تفشي إشاعات عن قرب عقاب ملاكي ألأراضي، و تفاقمت ألأوضاع مع قلة توفر ألمواد ألغذائية و المياه ألصالحة للشرب، وبدا ألرعب يسود خوفا من ألمقاتلين ألصهاينة و ألعرب على السواء.
,لكن ألكاتب يؤكد لنا بان في حالة واحدة أجبرت ألقوات ألإسرائيلية ألسكان ألعرب على ألخروج و ذللك في مدينة ليدة. يبين ألكاتب إن لا أحد من 170000 – 1800000 عربي من سكان ألمدن أجبروا على ألخروج من قبل أليهود، وجزأ ضئيل من 1300000-160000 قروي تركوا قراهم تحت إجبار ألقوات ألإسرائيلية.
بعدها تطورت ألأمور ولم توافق ألقيادات ألفلسطينية على ألرجوع حيث يكون ذلك بمثابة اعتراف بإسرائيل، وشددت إسرائيل من موقفها بعد فترة من أظهار استعدادها لرجوع أللاجئين بعد تفاقم ألحرب، حين صرح رئيس ألوزراء ألأسرئيلي يومها بن غوريون في 16 حزيران عام 1948:" هذه حرب حياة و موت ولن أسمح برجوع من تركوا أماكنهم .... لم نبدأ ألحرب ..... هم بدئوا ألحرب في حيفا ويافا وبيسان ... لا أريدهم أن يشنوا حرب أخرى علينا"
باختصار فأن ألكاتب يستنتج إن أفعال ألقادة ألعرب أنفسهم هي التي أدت إلى إرسال مئات ألآلاف من ألفلسطينيين ألي ألمنفى. في هذا ألكتاب يؤكد ألكاتب حقيقتين: أن ألعرب أنفسهم أجهضوا فكرة ألدولة ألفلسطينية، وهم سبب ألنكبة كما تُعرف أليوم. هذا الكتاب هو تتمة لكتابات كارش ألتاريخية حول ألشرق ألأوسط كان أولها: إمبراطوريات ألرمال: ألصراع في ألسيطرة في ألشرق ألأوسط، 1789 - 1923( مع أنري كارش 1999) حيث يناقش أن سكان ألشرق ألأوسط لم يكونوا ضحايا ألامبريالية وانم شركوا فيصنع قرار مصيرهم. وفي كتابه ألغدر بفلسطين يتوصل ألي استنتاج مشابه بشأن ألمصير ألفلسطيني. في كتاب أخر: تشويه ألتاريخ ألإسرائيلي: التاريخيون ألجدد(1997) يناقش عدم صواب ألاستنتاجات أساتذة ألتاريخ في إسرائيل الذين يلقون أللوم على إسرائيل في محنة أللاجئين الفلسطينيون، وكتابه ألحالي يبدوا و كأنه تكملة لهذا ألكتاب. أم كتابه ألصادر في 2006 بعنوان ألإمبريالية ألإسلامية فهو يربط ألموقف ألعربي والفلسطيني ألرافض لأي تنازلات تجاه أسرأئيل بفلسفة ألتعالي ألإسلامي.
أن كتاب ألغدر بفلسطين يضع ألنقاط على ألحروف في تاريخ ألمنطقة، وبأن الخاصة من ألفلسطينيين هي التي سلكت طريق ألدمار و ألعنف، ولن ينتهي ألصراع ألا عند ما يتخلص الفلسطينيون من آمال ألإبادة.