فيما يلي نَص كلمة دانيال بايبس في 20 يناير/كانون الثاني 2007، في لندن وذلك في حوار مَع عمدة لندن، كين لفنجستون، وفقاً للنسخ الذي قامت به ناين تين جروب ( جماعة 910) وبمساعدة لمشاهدةGlobal Defense Group ؛ راجع موقع YouTube آخرين. يمكن رؤية الفيديو الأصلي في
نسخة الفيديو كليب. للإطلاع على التغطية الإعلامية للنقاش، ارجع إلى الببلوجرافيا الواردة في Debate with London Mayor Ken Livingstone.
………………………………………………………………………………………
شكراً جزيلاً. أنا أوَدُّ أَنْ أَبْدأَ بشُكْر العمدة لفنجستون لدعوته الكريمةِ لي كي أنضم لكم اليوم وأنا أَشْكرُ سلطات مدينة لندن الكبرى على العمل الشاقِّ الذي بذلته في حدث يبدو واضحاً أنه حدث ناجح. أَنا مسرورُ بالاهتمام الذي تبدونه، أيها الحضور، وأَنا ممتنُ إلى مؤديي الذين جاؤوا مِنْ أربعة بلدانِ مختلفةِ كي يكونوا مَعي اليوم.
إنّ العمدة رجلُ متفائلُ. وأنا أُدْعَو عموماً لجَلْب بَعْضاً من الغمِّ والهم، وأنا، كي أكون صادقاً، سوف أجلب لك البعض منه. [يضحك الجمهور]
دعْني أَبْدأُ بموقفي من سؤالِ أو مسألة الحضارةِ العالمية أَو صراع وصدام الحضاراتِ. واحد: أنا مع الحضارةِ العالميةِ، وأنا أَرْفضُ مقولة أو أطروحة 'اشتباك أو صدام الحضارات'. اثنان: المشكلة لَيستْ في المقام الأول صراع حضارات، وإنما هي صراع واشتباك الحضارةِ والهمجيةِ.
أنا أوَدُّ أَنْ أَبْدأَ بالنَظْر إلى فكرةِ صاموئيل هنتينجتن، حيث جادلَ، في مقالته عام 1993، بأنّ الاختلافات الثقافيةِ هي اختلافات أساسية. "المصدر الأساسي للنزاعِ … لَنْ يَكُونَ بالأساس أيديولوجياً أو اقتصاديا. الانقسامات العظيمة بين البشرِ والمصدر الأساسي للنزاعِ سوف يكون ثقافياً." وهو يرى أن هناك سبعة أو ثمانية منظومات حضارية، وهي بالتحديد، "الغربية، والكونفوشوسية، واليابانية، والإسلامية، والهندوسية، والسلافية -الأرثوذوكسية، والأمريكية اللاتينية، والأفريقية."
رَدّي بأنّ مفهوم الحضارةِ مفيد كمفهوم ثقافي ولكن ليس كمفهوم سياسي. هناك ثلاث مشاكلِ في رُؤية الحضاراتِ كقوى فعالة بالطريقة التي يقترحها هنتينجتن. فهي لا تستطيعُ تَفسير التَوَتّراتِ داخل الحضارة الواحدة، وهي لا تستطيعُ تَفسير الاتفاق والانسجام عبر أو بين الحضاراتِ، وهي لا تفسّرُ تغيرَ الحضارات مع مرور الوقت. دعْوني أَعطيكم ثلاثة أمثلةِ سريعةِ. وسوف آخذُها مِنْ المنطقةِ التي تخصصت في دراستها، وهي العالم الإسلامي.
أولاً، هي لا تستطيعُ تَفسير عنف المسلم ضد المسلم، وهو الذي لدينا منه الكثير: لدينا الحرب الأهليةُ في لبنان، والحرب العراقية الإيرانية، والتمرّد الإسلامي في الجزائر، اقتتال السُنّة والشيعة في العراق في الوقت الحاضر، ما يقترب من حرب أهليةِ في السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ، حرب الحكومة السودانية ضدّ شعبِ دارفور. هذا كله لا يُمْكن تفسيره بالمفاهيم والمصطلحات الحضارية.
ثانياً، تتجاهل هذه الرؤية الاتفاق والانسجام بين الحضارات. وأود أن استشهد بمثل من المملكة المتحدة، وبالتحديد مرسوم أو حكم آية الله خميني في 1989 ضد سلمان رشدي، الذي كَانَ حينئذ يَعِيشُ في لندن. بدا، من النظرة الأولى، أن المشكلة هي بين المسلمين من جهة والغربيين من جهة أخرى. المسلمون كَانوا يُحرقونَ روايةَ الآيات الشيطانيةَ، وكان هناك عنفُ في الهند، الخ. لكن النظرة الفاحصة كشفت أن الأمر كان مختلفاً تماماً، وأنه أكثر تعقيداً وتركيباً. فالكثير مِنْ الغربيين كَانوا ضدّ رشدي والكثير مِنْ المسلمين كانوا يؤيدونه ووقفوا إلى جانبه.
دعْني أَعطيك فقط واقعتين استشهد بهما. قال وزير خارجية بريطانيا في ذَلِك الوَقت، السّير جيفري هاو: " لا تحمل الحكومة البريطانية ولا يحمل الشعب البريطاني أيّ مودّة أو تعاطف نحو كتابِ رشدي." من الناحية الأخرى، قال وزير الخارجية المصري "ليس من حق خميني إصْدار حكم بالموت على رشدي." ووزير مصري آخر قالَ "خميني مجرد كلب، لا، ذلك أمر جيدُ جداً بالنسبة لَهُ، هو خنزير." [يضحك الجمهورِ]
النقطة الثالثة، هنتينجتن في تحليلِه لا يَستطيعُ تَفسير التغييرِ الذي يحدث مع مرور الوقت. وأستطيع أن أوضح هذا أفضل توضيح بأن أعرض عليكم اقتباساً من مقالته عام 1991، حيث قال " القضايا الاقتصادية بين الولايات المتّحدةِ وأوروبا لا تقل في جديتها عن تلك التي بين الولايات المتّحدةِ واليابان، لكن ليس لها نفس البروز السياسي أو الشدة الانفعالية لأن الاختلافات بين الثقافةِ الأمريكيةِ والثقافةِ الأوروبيةِ هي أقل بكثير من تلك التي بين الحضارةِ الأمريكيةِ والحضارةِ اليابانية."
حَسناً ذلك كَانَ حقيقيَاً بدرجة كبيرة في 1993، لَكنَّه يَبْدو سخيفَاً جداً في 2007 حيث لا توجد فعلياً أيَّ تَوَتّرات بين الولايات المتّحدةِ واليابان وأَنا متأكّدٌ أنكم تدركون وجود تَوَتّرات بين الولايات المتّحدةِ وأوروبا. إن الذم والتوبيخ عبر المحيط الأطلسي هما أشد حدة منهما عبر المحيط الهادي.
ما الذي فعله هنتينجتن هو أنه كَانَ يَأْخذَ حادثةَ عابرة ويُحوّلُها إلى أمر حضاريِ، وهو الأمر الذي لم يُفلح. باختصار فكرة ومقولة اشتباك الحضارات ِهي فكرة خاطئة. فهي لا تتفق والحقائقَ، هي لَيسَت طريقة جيدة لفَهْم العالمِ.
ماذا عن الحضارة العالمية؟ هَلّ بالإمكان أَنْ تكون هناك حضارة عالمية؟ إذا عرَّفنا الحضارة مثلما يُعرّفُها هنتينجتن، لكانت الإجابة بلا، لا يمكن أن تكون هناك حضارة عالمية. وهو يعرض فكرته بطريقة صائبة، في ضوء تعريفه بالطبع، عندما يقول "في المستقبل لَنْ تكون هناك حضارة عالمية وإنما عالم من الحضاراتِ المختلفةِ، كلّ منها يَجِبُ أَنْ تتعلّمَ التَعَايُش مَع الحضارات الأخرى." أنا لا أعتقد أن هناك من يُعارضُ ذلك أو يجادل فيه طالما نحن نفكر في ضوء تعريفه.
لكن يُمْكِنُ أَنْ تكون هناك حضارة عالمية إذا عرفناها بشكل مختلف. الحضارة هي من زاوية ما نقيض الهمجيةِ. والحضارة بهذا المعنى لَها تاريخ طويل. في التوراةِ، هناك مقطع يقول "وأنت سَوف ... تُعلنُ الحريَّة في كافة أنحاء الأرض وحرية لكُلّ من يسكن فيها." في القرآنِ، "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله." والتعبير أو الشعار الأمريكي الشائع 'السعي وراء السعادةِ'، والتعبير أو الشعار الفرنسي الشائع "الحرية، المساواة، الإخاء." قال ونستن تَشِرشِل في 1898، في معرض حديثه عن السودان، بأنّ الحضارةِ "متعاطفة، رحيمة، متسامحة، على استعداد للمُنَاقَشَة َوالحوار، تسعى إلى تَفادي العنفِ، وإلى الإذْعان للقانونِ، وإلى العمل بالحلول الوسط."
لذا يكون السؤال، هل يمكن أن توجد مثل هذه الحالة الحضارية على مستوى عالمي؟
يُمْكِنُ أَنْ توجد، بقدر ما يواجه أولئك المُتَحضّرون غيرَ المتحضرين. إن أساس وجود الحضارة العالمية هو اتحاد العناصرِ المُتَحضّرةِ في كُلّ ثقافة من الثقافات مع نظائرها في الثقافات الأخرى من أجل حِماية الأخلاقِ، والحريَّة، والاحترام المتبادل. إنّ الاشتباك أو الصراع أو الصدام الحقيقيَ هو بين الحضارة العالمية والهمجيين.
الآن ماذا أَقصد بالهمجيين؟ لا أَعْني الناسَ الذين ينتمون إلى الطبقات الاقتصادية الدنيا، الذي أَعْنيه بالهمجيين - وأعتقد أنه هو ما نعنيه جميعاً بالهمجيين خلال القرنين الماضيين – الهمجيين الأيديولوجيينَ أو العقائديين. ولقد ظهرت الهمجية الأيديولوجية في الثورةِ الفرنسيةِ في أواخر القرن الثامن عشرِ. والأمثلة الضخمة للهمجيةِ الأيديولوجيةِ هي الفاشيةَ واللينينيةَ الماركسيةَ - اللتان في مسارهما التاريخيين، قامتا بقتل العشراتَ مِنْ ملايينِ الناسِ.
لكننا اليوم نرى الثالثة، الحركة الشمولية الاستبدادية الثالثة، الحركة الهمجية الثالثة، وبالتحديد الإسلامِ الراديكالي المتطرف، هو نسخةُ أو صورة طوباويةُ متطرّفةُ مِنْ الإسلامِ. لا أَتكلّمُ عن الإسلامِ الدين، أَتكلّمُ عن قراءة غير عادية وحديثة جداً للإسلامِ، أوقعَت بؤساً (سبق وذَكرتُ الجزائر ودارفور)، وعمليات إرهابية انتحارية، وحكومات استبدادية طاغية ووحشية، وهناك قمع وظلم للنِساءِ ولغير المسلمين.
إنه يُهدّدُ العالم بأكمله: المغرب، تركيا، السّلطة الوطنية الفلسطينيّة، مصر، العربية السعودية، العراق، إيران، باكستان، تكادوا تقولونها، أفغانستان، تونس، وليس فقط العالم الإسلامي التقليدي، لكن أيضاً روسيا، فرنسا، السويد، وأنا أجرؤ وأقول والمملكة المتّحدة أيضاً.
إن السؤالَ العظيمَ في عصرنا هذا هو كيف نمْنعُ هذه الحركةِ، الشبيهة بالفاشيةِ والشيوعيةِ، مِنْ أن تصبح أكثر قوة.
الآن، أَعتقدُ أن العمدة وأنا نتفق على الحاجةِ لمُقَاوَمَة هذا الخطرِ، لَكنَّنا نَختلفُ على وسائلِ القيام بذلك. هو يرى أن تعددية الثقافات هي الوسيلة، وأنا أرى أن الفوز بالحربِ هو السبيل لذلك. هو يود أن ينسجم ويتوافق الجميع، وأنا أُريدُ هَزيمة عدو فظيع.
يُعرّفُ العمدة تعدديةَ الثقافات على أنها "الحق في إتباع قِيَمِ ثقافيةِ مختلفةِ، وهو حق لا يخضعُ إلا لقيد واحد وهو ألا يتدخل حقك في الحق المماثل الذي يتمتع به الآخرون." وهو يُجادلُ، وهو ما استمعتم له تواً، ويذهب إلى القول بأن هذا التعريف ناجح وفعال، وأن لندن مدينة ناجحة. أنا لَنْ أُعارضَه في التفصيلات، لَكنِّي أَرى الاندفاع المتعدّد الثقافاتَ يَخْلقُ كارثة لإهْماله الحضور الخطير والمُتزايد للإسلامِ الراديكالي المتطرف في لندن.
أحد علامات هذا الخطر أنّ المواطنين في بلادِكَ قد أَصْبَحوا يمثلون تهديداً لبقيّة العالمِ. في 2003، قدم وزير الداخلية ديفيد بلنكت ملفاً إلى اللجنة الخاصة بطلبات الهجرة، وفيه "يَعترفُ بأنّ بريطانيا كَانتْ ملجأ آمناً لمن يساندون الإرهابِ العالميِ" وفيه أيضاً يقول أن بريطانيا لا تزال "قاعدة هامّة" لمساندة ودعم الإرهابِ.
في الحقيقة، نفّذَ إرهابيون يتخذون من بريطانيا قاعدة لهم عمليات إرهابية في خمسة عشرَ بلدِ على الأقل، هي: باكستان، أفغانستان، كينيا، تنزانيا، العربية السعودية، اليمن، العراق، الأردن، إسرائيل، الجزائر، المغرب، روسيا، فرنسا، إسبانيا، والولايات المتّحدة. أنا سَأَعطيكم مثالاً واحداً مِنْ الولايات المتّحدةِ: هو ريتشارد رَيد، مفجّر قنبلة الحذاءَ، وهو الذي أُفكّرُ فيه أساساً، لكن هناك أيضاً [نهاية الكليب #3؛ وبداية الكليب #4] التورط البريطاني في الحادي عشر من سبتمبر وفي مؤامرةِ الألفيةَ بلوس أنجلس التي لم يتم تنفيذها.
شَجبَ رئيس مصر حسني مبارك المملكة المتحدة علناً، وهو ممتلئ بمشاعر الإحباط، وذلك لأنها تقوم "بحِماية القتلة." بعد إحباط المخطط الإرهابي الضخم الذي كان من المزمع تنفيذه في شركةِ طيران هيثرو في العاشر من أغسطس/آبَ، أي قبل شهور قَليلة، ذهب كاتبان أمريكيان في زا نيو ريبابلك إلى أنه مِنْ وجهةِ نظر أمريكيةِ، "يُمْكِنُ القول الآن أن التهديدَ الأكبرَ لأمن الولايات المتحدة لا يأتي من إيران أَو العراق أَو أفغانستان، لكنه بالأحرى مِنْ بريطانيا العظمى."
وأنا أَعتقدُ أن هذا هو مجرد رأس الكتلة الجليديةُ، وأَعتقدُ أنّ هذا إنما يَدْحضُ وجهةَ نظر السّيدِ لفنجستون المعارضة- والتي تقول أنه لا توجد مشكلة. وهذه هي المشكلةُ، المشكلة هي الإسلامُ الراديكالي، والمَعروف كذلك بِالإسلامِ الأصوليِ، والإسلام السياسي، والإسلامية المتطرفة. مرة أخرى إنه ليس الإسلام الدين، إنما هو الإسلامُ الراديكالي، الايديولجيا.
ودعنا نُركّزُ على ثلاث سماتِ له. إنّ جوهرَ الإسلامِ الراديكالي المتطرف هو التمسّكُ الكاملُ بالشريعةِ، بقانونِ الإسلامِ، وهو يدفع بالشريعةَ إلى المناطقِ ومجالات الحياة التي مَا وَجدتْ فيها من قبل.
السمة الثانية، أنه يقوم في أعماقه البعيدة على عقيدة صراع الحضاراتِ. هو يُقسّمُ العالم إلى معسكرين أخلاقي ولا-أخلاقي، الخير والشر. فيما يلي اقتباسُ لواحد مِنْ الإسلاميين المتطرفين الذين يتخذون من بريطانيا قاعدة لهم، اسمه عبد الله الفيصل، وهو قد أُدينَ من قبل والآن هو في السجنِ: يقول "هناك دينان في العالمِ اليوم - الدين الصحيح والدين الخاطئ. الإسلام مقابل أو في مواجهة بقيّة العالمِ." لن تجد توجهاً أو طريقة تفكير تدعو إلى النزاع والصدام والخلاف الحضاري بصورة أقوى من ذلك. هناك كراهية للعالم الخارجي، العالمِ غير المسلمِ، والغرب بشكل خاص. وهناك النية لرَفْض التأثير الخارجي بأكبر قَدْرَ مستطاع.
والخاصية الثالثةَ أنه استبدادي وشمولي في طبيعته، يحول الإسلام من إيمان شخصي إلى إيديولوجيا، إلى مذهبية، إنه يُبدل الإيمان الشخصي بنظام لترتيب القوَّةِ والثروةِ. ينشأ الإسلامُ المتطرف الراديكالي عنْ الإسلامِ لكنه نسخة أو صورة منه معادية للحداثة، مؤمنة بالرؤى والأساطير والتنبؤات الألفية، كارهة للبشر وللإنساني، كارهة للمرأة، ومعادية للمسيحية، ومعادية للساميَّة، تتعالى على الأديان والحضارات الأخرى وترى نفسها أفضل وأصح منها ويجب أن تسود عليها، مؤمنة بالجهاد والحرب الدينية، إرهابية وانتحارية. إنه شمولية استبدادية ذات نكهة وطبيعة إسلامية.
مثل الفاشيةِ والشيوعيةِ، الإسلام الراديكالي هو رؤية للعالم تتصف بالإرغام والقهر بطريقة يُمكن أن تلغي عقلية شخص ذكي – فتقهره أو تقهرها على رؤية الحياة بطريقة جديدة تماما. هو طوباوية متطرفة، يَأْخذُ الخصائص الدنيويةَ للحياة العاديةِ اليومية ويُحوّلُها إلى شيءِ ضخم ومُتَألِّقِ يُبهر العيون.
ويسعى الإسلام الراديكالي للسَيْطَرَة على الدول والبلدان، وهو يستعمل الدولة لأغراضِ قهرية، ويحاول السَيْطَرَة على كُلّ جوانب الحياةِ. وهو يعتدي على الجيرانِ، وأخيراً هو يسعى نحو مواجهة كونية مع الغربِ. وكما قال توني بلير في أغسطس/آبِ 2006 "نحن نخوض حرباً، لكن ليس فقط ضدّ الإرهابِ، لكن حول الكَيفية التي يَجِبُ على العالم أَنْ يَحْكمَ بها نفسه في بداية القرنِ الحادي والعشرينِ، وحول القِيَمِ العالميةِ."
والآن كَيفَ يستجيب المرء لهذا؟
إنّ العمدة رجل يساري، وأَنا ليبرالي كلاسيكي. ونحن نتفق في أن أي منا لا يرغب شخصياً في أن يكون خاضعاً إلى الشريعةِ. أنا سَأَفترضُ، [ ينظر إلى كين لفنجستون] سوف تصحح لي إن كنت على خطأ [تصفيق متقطع قصير] أن لا أحد منا، نحن الاثنان، يود أن تكون الشريعة جزءاً من حياتِه الشخصيةِ.
لكن وجهاتَ نظرنا تَتباعدُ بحدّة بالنسبة إلى الكيفية التي نستجيب بها لهذه الظاهرةِ. أولئك الذين يتبنون وجهة نظري السياسية يشعرون بالقلق من جراء التقدم الذي تحققه الإسلامية المتطرفة في الغربِ. مُعظم اليسارِيين يَقتربُون مِنْ الموضوعِ ويتناولونه بطريقة تتصف بالاسترخاء والتقليل من أهميته..
لماذا هذا الاختلاف؟ لماذا اليمين عموماً في حالة من القلق، بينما اليسار عموما في حالة من التفاؤل والثقة؟ هناك العديد مِنْ الاختلافات، وهناك العديد مِنْ الأسبابِ، لَكنِّي أوَدُّ أَنْ أُركّزَ على اثنين.
الأول، إحساس الإسلاميين واليسارِيين أن لهم خصوما مشتركين. وضح جورج جالواي في 2005 ذلك قائلاً: "الحركة التقدمّية العالمِية والمسلمون لَهُم نفس الأعداء" ثم واصل حديثه مشيرا إلى أن هؤلاء هم إسرائيل، والولايات المتّحدة، وبريطانيا العظمى.
وإذا استمعت إلى الكلماتِ التي تُقال، عن الولايات المتّحدةَ مثلاً، تستطيع أن ترى أن هذه هي الحقيقة. وَصفَ هارولد بنتر أمريكا قائلاً: "بلاد تديرها حفنة من المجانينِ الإجراميينِ." [تصفيق وصيحات عالية] وأسامة بن لادن [توقّفات … ] أنا سَأَفعل ما أستطيع كي أحْصل على تصفيق متصل. [ضحك]، واستعدُّوا لما يلي: وصف أسامة بن لادن الولايات المتّحدة بأنها: "ظالمة، مجرمة، واستبدادية." [تصفيق]
ووصف نعوم تشومسكي أمريكا "الدولة الإرهابية الأولى." وحافظ حسين أحمد، الزعيم السياسي الباكستاني البارز، أطلق عليها "أكبر دولة إرهابية." [تصفيق متقطع]
مثل هذه الأرضية المشتركةِ تُغري اليسارِيين على التَعَاوُن مَع الإسلاميين المتطرفين وخلق قضايا مشتركة معهم، ورمز هذا هو المظاهرات [الضخمة المعادية للحرب على العراق] في هايد بارك، في السادس عشْرِ من فبراير/شباطِ 2003، والتي دَعا لها تَحَالُف المنظماتِ الإسلاميةِ واليساريةِ.
في أوقاتِ أخرى، يشعر اليسار أنه له علاقة أو قرابة بالهجماتِ الإسلاميةِ على الغرب، فيكون متسامحاً ومتفهما لأسباب وقوع مثل هذه الهجمات. ويوضح اقتباسان يتصفان بسوء السمعة هذه النقطة. وصف المؤلف الموسيقي الألماني، كارلهينز ستوكهوزين هجمات الحادي عشر من سبتمبر بـ "القطعة الفنية الأعظم للكونِ بأكمله" بينما علق الروائي الأمريكي نورمان مايلر قائلاً "إن من قاموا بتنفيذها كَانوا في غاية الذكاء والدقة."
تَُغري مثل هذه المواقف والاتجاهات اليسارَ على ألا يأْخذَ التهديدَ الإسلاميَ للغربِ بجدية. مَع جون كيري، وهو ما كان يأمل أن يفوز بالرئاسة الأمريكية، يرفض اليسار الإرهاب ويدينونه بوصفه مجرد "مصدر إزعاج."
ذلك أحد الأسباب؛ وأقصد الصلات والروابط بين المعسكرين. السبب الثاني هو أن اليسار يميل إلى التَركيز على الإرهابِ - وليس على الإسلامية المتطرفة أو الإسلام المتطرف الراديكالي. ثم يأتي الإدعاء بأن المسئول عن الإرهاب إنما هي مشكلات مثل الاستعمار الغربي في القرن الماضي، "والإمبريالية الجديدة" الغربية في وقتنا الحاضر، والسياسات الغربية خصوصاً في العراق والسّلطة الوطنية الفلسطينيّة، أَو البطالةِ، والفقر، واليأس.
وأنا أُؤكّدُ أنّ الإسلام الراديكالي إنما يُؤدّي إلى عقيدةِ أو إيديولوجية عدوانية بالفعل. أَحترمُ دورَ الأفكارِ، وأَعتقدُ أن الذي لا يحترم الأفكار أو يزدريها أو لا يُعيرُها أي انتباه، إنما يتصرف بغرور وربما يَكُون عنصرياً. ليس هناك طريق لاسترضاء هذه العقيدةِ أو تهدئتها. إنها جادة في تحقيق أهدافها، لا يمكن حل مشاكلها بالمال، ولن يؤدي أي تغيير في السياسة الخارجيةِ إلى وضع نهاية لها.
أنا أُجادلُكم، أيها السيدات والسادة، وأقول أن الإسلام الراديكالي يجب أن يُقاتلَ ويجب أنْ يُهْزَمَ مثلما حدث في 1945 و1991 [تصفيق] عندما تمت هزيمة التهديدات الألمانية والتهديدات السوفيتية. هدفنا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ، في حالتنا هذه، ظهور الإسلامِ الذي هو إسلام حديث ومعاصر، معتدل، ديمقراطي، إنساني، ليبرالي، وودّي يؤمن بحسن الجوار. إسلام يحترمُ النِساءِ، وأصحاب الجنسية المثلية، والمُلحدين، وغيرهم. إسلام يُؤَمِن لغير المسلمينِ نفس حقوق المسلمين.
الخلاصة، السيد عمدة لندن، سواء كنت مسلماَ أَو غير مسلم، على اليسارِ أَو على اليمين، أعتقد أنك سَتَتّفقُ معي على أهميةِ العمل سوية كي نرى مثل هذه الإسلامِ. وأَقترحُ بِأَنَّه يمكن تحقيق هذا لا عن طريق تعايش تعدديةِ الثقافات التي تَقترحُ، ولكن بالوقوف بقوة وبثبات مَع حلفائِنا المُتَحضّرينِ حول العالم، خصوصاً مع الأصوات الليبرالية في العربية السعودية، مَع المنشقّين الإيرانيينِ، ومَع المصلحين في أفغانستان.
أَقترحُ أيضاً الوقوف مع نظرائِهم في الغربِ، مَع مثل هؤلاء الأفرادِ كإيان هرسي علي [تصفيق] … مشرّع هولندي سابقاً والآن في المنفى في الولايات المتّحدةِ؛ مَع إرشاد منجي، المُؤلف الكندي [تصفيق] مَع وفاء سلطان، السورية في المنفى في الولايات المتّحدةِ التي كان ظهورها رائعا واستثنائيا على الجزيرة. أفراد مثل مجدي علام، مصري وهو الآن صحفي إيطالي مرموق، ناصر خضر، عضو برلمان في الدنمرك، سليم منصور، أستاذ ومُؤلف في كندا، وعرفان العلاوي، هنا في بريطانيا. [تصفيق]
في المقابل، إذا لم نقف مَع هؤلاء المسلمين المعتدلين، ووقفنا بدلاً من ذلك مَع أولئك الذين يودون قهرهم وتعذيبهم، أي وقفنا مَع الإسلاميين المتطرفين، مَع، قَدْ أَقُولُ، شخص ما مثل يوسف القرضاوي [تصفيق] نصبح إذاَ واقفين مَع أولئك الذين يُبرّرونَ عمليات التفجير الانتحارية، مع الذين يدافعون عن أشد صور وأشكالِ الممارسةِ الإسلاميةِ قمعاً، مع الذين يدعون إلى صراع أو صدام الحضاراتَ [وهي المقولة التي] نرفضها.
إلى الدرجة التي نعمل بها معا، ضدّ همجيةِ الإسلامِ الراديكالي المتطرف، يمكن أن توجد بالفعل حضارة عالمية - حضارة تتجاوزُ وتتعالى على لونَ البَشَرَة، والفقر، والجغرافية، والسياسة، والدين.
أَتمنّى أنّك، السيد العمدة، وأنا يُمْكِنُ أَنْ نتفق هنا والآن من أجل التعاون لتنفيذ مثل هذا البرنامجِ.