يوصف في الأوساط السياسية والثقافية الأكاديمية، بأنه من أصحاب الرؤى الصلبة والأفكار القاسية؛ هو اليوم رئيس «منتدى الشرق الأوسط» وخبير للدعاية من الدرجة الأولى، وأيضاً مؤسس نظرية «الرعب الإسلامي». إنه «دانيال بايبس» الباحث، والعالم المختص في شؤون الإسلام والشرق الأوسط. تجاوزت مؤلفاته حول الحركات الإسلامية وأزمات العالم العربي وحروبه وصراعات المشرق العربي الواحد والعشرين مؤلفاً، كان آخرها «آراء في الإسلام والسياسات في الشرق الأوسط». أنت في موقفك تجاه بايبس، عزيزي القارئ، حر الاختيار بين أن تتفق معه أو تختلف، ولكن رغم كل عدائيته الموصوف بها تجاه القضايا العربية والإسلامية، وسوء سمعته في المجتمعات الشرقية، يبقى لأفكاره ورؤيته أهميتها، إذا ما وضعت تحت شعار «قضايانا بعيون غربية»؛ مما يزيد إدراكنا وفهمنا لرؤية النخب السياسية والثقافية والاجتماعية الغربية لمشاكلنا ونظرتهم لأزمات المجتمعات العربية والإسلامية. بايبس، الذي كان ضيف قناة الحرة في برنامجها المميز واللافت لجهة نوعية القضايا التي هي موضع محاوره ونقاشاته، والضيوف الذين تجهد إدارة القناة والقائمون عليها في محاولة تقديمهم للمتلقي العربي؛ تحدث بإسهاب عن حرب تموز/ يوليو التي شنتها أخيراً إسرائيل على لبنان وعن دور حزب الله اللبناني الآني والمستقبلي، وعن إيران ومداها الحيوي في المنطقة كما تطرق إلى مواضيع أخرى، حاول مقدم البرنامج «سامي منسّى» أن يفتحها فأتت نهاياتها نصف مفتوحة.
الشرق الأوسط الجديد
حول مفهوم الشرق الأوسط الجديد والسياسات الأميركية في المنطقة العربية، أوضح بايبس: «إن كلمات مثل مفهوم الشرق الأوسط الجديد، هي كلمات تدعو إلى التفاؤل، وهي إن كانت مؤلمة لكنها ستقود حتماً إلى شيء طيب. وجهة نظر الرئيس بوش أنه يجب أن نمر بعدة صعوبات حتى نصل إلى شرق أوسط جديد. قلقي وهاجسي، هو: إن الإسلاميين هم اليوم الأكثر استعداداً للديموقراطية والانتخابات لأنهم سوف يكسبونها بما يملكونه من أموال وقدرات على المساعدات وسد العوز. هذا هو خلافي مع الإدارة الأميركية، فهم متفائلون أكثر مني تجاه تطبيق الديموقراطية ونشرها. لقد حدثت انتكاسات كبيرة بسبب التجارب الهادفة إلى تكريس الديموقراطية، مثال: فوز حركة حماس. ولكن بالرغم من ذلك ما زالت الإدارة الأميركية تصر على أن تتجه نحو ذلك. ما أقدمه أنا اليوم؛ هو: لتكريس الديموقراطية في هكذا بلدان، يجب أولاً أن يقام حكم القانون وحرية الكلام وتنشأ الروابط وتقوم العلاقات ويشيع مناخ حرية القول والنقد. لتكريس الديموقراطية يجب أن نبدأ من الحد الأدنى لتطبيق مفهوم الديموقراطية وهو انتخاب المجالس البلدية بشكل ديموقراطي حر، كذلك المجالس النيابية وصولاً إلى كرسي رئاسة الحكومة. الإدارة الأميركية تتعجل في تكريس الديموقراطية والاستعجال سمة أميركية مستمرة. السياسات الأميركية لستين عاماً خلت، كانت تهدف إلى الاستقرار في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط على أن هذه السياسات ليست هي ذاتها التي كانت سائدة في دول آسيا وشرق آسيا. لقد كنّا سعداء بحكم الملوك والشيوخ والديكتاتوريين لتلك المنطقة بسبب استقرار أنظمتهم واستمرارها. الرئيس بوش يقول الآن: سنعمل من أجل الحرية وتطبيق الديموقراطية وهذا شيء جيد، ولكن التطبيق كان سيئاً وغير جيد، وبدا متعجلاً على فتح الأنظمة التي كانت تدار منذ زمن بعيد باستقرار واستمرار».
الإسلام وطوائفيته
أسهم بايبس في حديثه عن الإسلام وطائفتيه: السنة والشيعة، كما عمل على توصيف العلاقة ما بين يسمى بالإسلام السلفي والشيعة وبين شيعة العراق والشيعة في بلدان أخرى مجاورة للعراق، وعلاقة ذلك بالاضطرابات الأخيرة على الساحة اللبنانية وامتداداتها. «نحن نعتقد أن هناك علاقة عاطفية بين شيعة العراق وشيعة لبنان، ووجود علاقات بين التطورات في العراق وأحداث لبنان. لكن علينا أيضاً أن نهتم بالدول في القسم الغربي. حزب الله وصفه الرئيس بوش بأنه: «منظمة إرهابية ولذلك لا بد من تدمير هذه المنظمة» وقد يؤدي ذلك إلى إثارة المشاكل في العراق، ولكنني لست متأكداً من ذلك، لأن الخطر الرئيس على القوات الأميركية في العراق يأتي من السنة وليس من الشيعة، ولكن رغم ذلك الخطر ليس واضحاً وقد يأتي من شيعة العراق إذا ما تأزم الوضع أكثر في لبنان. أعتقد أن الحاصل اليوم، هو انقسام لدى الإسلام السنة تجاه الشيعة من حيث الرأي، فبعضهم يعتبرون الشيعة «أشد كفراً من النصارى واليهود»، وبعضهم ينهج نهج الدعوة لاحتضان الشيعة، وهذا أفضل لأنه يضمن حركة إسلامية أقوى لمواجهة العدو، ويستقطب عدداً أكبر من الأصدقاء، وهو أحسن للمستقبل، هناك نموذج عماد مغنية الذي تربطه علاقة قوية بإيران. شيعة إيران يشعرون اليوم بنوع من الغطرسة بنتيجة ما حدث في لبنان من تحرك لحزب الله. شيعة إيران لا يرغبون الآن ببعض من العلاقات مع السنة وهم اليوم أشبه بشيوعيي الاتحاد السوفياتي وشيوعيي الصين، فرغم اختلاف الإيديولوجيات كان يربط هؤلاء بأولئك النظام الواحد. ما تشهده الساحة الإسلامية، هو حركة واحدة لها عناصر متعددة، فهناك العنصر السلفي القادم من السعودية، والعنصر البابلي القادم من الهند وعنصر الخميني. على أنه يجب التمييز ما بين الإسلاميين الذين يستعملون العنف والذين لا يستعملون العنف. بعض الحركات مثل حماس وحزب الله يستعملان العنف بوضوح. في بعض الأوقات وأماكن معينة كان الإخوان المسلمون يستخدمون العنف، هم لم يعودوا كذلك. القرار العظيم هو: استخدام العنف أم لا، واعتقادي أن نهج اللاعنف لديه فرص أكبر وأكثر للنجاح. ما يوصف بالمقاومة يتسم بالجاذبية والإثارة. العنف لا يمكنه أن يحل مشاكل الحياة؛ وهو لا يمثل جواباً. داخل النظام التركي نهج يمثل اللاعنف. حزب الله يمثل نموذج عنفي مزدوج: خارج النظام وداخله عبر الحكومة. أردوغان يريد أن تكون تركيا دولة إسلامية، ولكن لا يمكنه أن يفعل ما فعله أتاتورك منذ سبعين عاماً. كما ينبغي أن لا نغفل عن الكيفية التي كان يتعامل بها النظام السوري السابق مع حزب الله وزعيمه، فبينما لم يقابل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حسن نصرالله ولا أي مرة علناً، نجد أن بشار يرى في نصرالله انموذجاً عظيماً في البطولة والقوة، وهو ينظر اليه نظرة أخرى مختلفة عن تلك التي كانت سائدة لدى والده عن حزب الله وعن نصرالله.
ضد العنف
ما حدث لحركة حماس وقد يحدث لغيرها وفي بعض الجوانب لحزب الله، هو الاحتكام إلى نظرية «الوصول إلى المدرسة» أو «حفرة الطريق»؛ فعندما تصل هكذا حركات إلى الحكم لا تنسى برامجها وتغرق بتفاصيل السلطة، فهذا موسوليني رغم اعتلائه سدة الحكم في إيطاليا ظل يسير القطارات بشكل جيد جداً. هكذا حركات تحصل على نوع من التثبيت على أنهم كانوا مثالاً ناجحاً، ويسعون لذلك إلى تثبيت برامجهم ويصبحون أكثر تطرفاً ويتابعون تحقيق أهدافهم داخلياً وخارجياً مثل: تطبيق الشريعة... هؤلاء معتدلون طالما أنهم بعيدون عن كرسي السلطة ويستمرون كذلك؛ ولعل سوء سمعتي عند هؤلاء نابع من كوني ضد الإسلام العنيف والمتشدد، ولقد كان شعاري دائماً هو أن الإسلام المعتدل هو الحل، أما الإسلام المتشدد فهو مشكلة. إنني أمضيت 04 عاماً في دراسة الشرق الأوسط وعشت وتعلمت فيه وأقمت 3 سنوات في القاهرة ولدي تقدير للناس والحضارة وثقافة شعوب تلك المنطقة، ولكني أرفض الإسلام صاحب النهج العنفي».
حزب الله، إيران وبرنامجها النووي، سورية وأحداث لبنان، هي محاور أخرى تطرق إليها بايبس بكثير من الاختصار والإيجاز، تاركاً الخيار حول الحلول المطروحة ملتبسة غامضة. «لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي معلومات عن وجود شبكات تدعم حزب الله وتدفع له الأموال التي تجمعها؛ ولكن لا علم لنا إن أرادت هذه الشبكات التحول إلى العنف أم لا. أنا أرى حزب الله يمثل نموذجاً إسلامياً تعقيدياً كبيراً، فهو له جانب عام معروف يظهر في (مراكز الخدمة الاجتماعية - قناة المنار - إذاعة النور...) وجانب إرهابي سري يظهر في «نقل الأموال - الصلة مع إيران». أنا لا أوافق على القول السائد بأن الفقر والضغط الاجتماعي وسوء الأحوال المادية، هي التي تدفع نحو التشدد والتطرف، بل إن جاذبية الحركة الإسلامية منذ 08 سنة هي التي تكرس العنف ولا حلّ لها إلا بالقضاء على الإيديولوجية الكامنة فيها.
لا ميل لدى الإدارة الأميركية من أجل دفع أي ثمن لإيران، بل إن المزاج السائد؛ هو: أن إيران معادية جداً، ويجب أن تدفع ثمناً لذلك ولا مفاوضات معها. الأوروبيون كعادتهم أكثر ميلاً نحو التفاوض عكسنا تماماً نحن الذين نميل دائماً نحو المواجهة. إن أي عمل عسكري موجه ضد إيران لن تقوم به إسرائيل لأن لا أدوات لديها لفعل ذلك، تقوم أميركا بذلك إذا توفر لديها دعم أممي عالمي وكان لديها تحالف دولي واسع وقال هذا التحالف نحن مستعدون للوقوف إلى جانب أميركا ولا نستطيع الوقوف معكم أيها الإيرانيين، عندها سيضغط الإيرانيون على حكومتهم. إسرائيل لن تقبل بإيران نووية في المنطقة، وما نراه اليوم في جنوب لبنان هو أن نفس القوى تخوض الحرب وتبقى القضية الأساسية في أميركا وإيران، وهذه الأخيرة ستدفع ثمناً لمضيها في تطوير برنامجها النووي، أما عن كيفية دفع هذا الثمن، فإن ذلك يبدو غير واضح حتى الآن.
سورية تستفيد من تطورات الحرب في لبنان
أستطيع القول: إن سورية تستفيد من تطورات حرب لبنان، لأن السوريين بقوا خارج الحرب ووضعهم جيد. أشك في احتمال عودتهم إلى لبنان، وسيكتفي المجتمع الدولي بالقول لسورية: إنك المسؤولة عن تطور الأحداث من دون أن يسمح لها بوضع جنود في لبنان. نفوذ النظام السوري مستمر في لبنان رغم عدم وجود قوات له هناك. سورية مسؤولة عن ما يحدث وإذا حدث تطور يجب أن تدفع الثمن. لقد أنقذ الإسلاميون النظام السوري رغم أنه تعيس وفاشل وفاقد للنجاح، لا أحد يقبل بأن يتسلم الإسلاميون السلطة في سورية. لذا يقولون ليستمر النظام حتى لا يتسلم الإسلاميون كرسي الحكم، وسيستمر التساهل مع النظام طالما أنه قادر على إبقاء الإسلاميين خارج السلطة. التوافق الإسرائيلي - السوري كان يتعلق بالجولان بينما كان أقل في ما يتعلق بلبنان. وكلاء سورية في لبنان كانوا يقاتلون إسرائيل على أن لا يقاتل السوريون في لبنان. إسرائيل اسقطت 08 طائرة لسورية عام 2891 في سماء لبنان. الآن، حزب الله يمتلك شعبية كبيرة داخل الوسط الشيعي اللبناني، ولكنه حتماً سيختفي مع الوقت وليس بالقريب العاجل، لأنه يعتمد على تعبئة مشاعر الجماهير وتهييج الحماسة، ثم هو سيصل إلى أن يخذل هؤلاء في نهاية الأمر وستكون النهاية. في أميركا، سياسة تجاه لبنان. أنا كانت في الحكومة الأميركية في الثمانينيات وكان لدينا سياسة تجاه لبنان، وما زلت أذكر أن وزير الخارجية يومذاك جورج شولتز كان يحاول دراسة العلاقات ما بين دروز لبنان والموارنة وبين الأرثوذكس وغير ذلك، وهذا إن دل إنما يد على وجود سياسة أميركية تجاه لبنان قديمة فكيف إذن لوزير خارجية دولة مثل أميركا أن يمضي وقته لدراسة هكذا أمور صغيرة...؟!!!. «لبنان يمثل حالة خاصة، وهو لن ينهار وأيضاً لن يلتحم سلمياً وسيبقى دولة ضعيفة، وستبقى الكيانات الطائفية أقوى من الدولة. سيظل وضع لبنان كدولة كما كان سابقاً وكما هو الآن وسيستمر كذلك».