إن الهجمات الصاروخية الأخيرة التي أتت من لبنان وسقطت على القوات الإسرائيلية وما تلاها من رد إسرائيلي قاسي، إنما يذكرنا وبطريقة مؤلمة بأن الانسحاب الإسرائيلي من لبنان الذي يمر عليه عام غدا لم يحقق ما كان يٌتوقع منه على الإطلاق.
قد يكون من المفيد أن نتذكر كم كانت هذه التوقعات عالية ومتفائلة جدا. لقد رأى تقريبا 80% من الإسرائيليين(أربعة في مقابل واحد) أن الانسحاب الإسرائيلي من لبنان كان تحركا استراتيجيا ممتازا.
بالنسبة لليسار الإسرائيلي، اعتقد وزير الأمن الإسرائيلي شلومو بين-امي أن رئيس سوريا كان "منزعجا وقلقا جدا بسبب قرار إسرائيل الانسحاب من لبنان." بالنسبة لليمين الإسرائيلي، صرح وزير الخارجية دافيد ليفي أن الانسحاب سوف يُضعف الموقف السوري.
وذهب الآخرون إلى أبعد من ذلك في تأملاتهم وتوقعاتهم. دان مارجاليت بهاآرتس تنبأ بأن الانسحاب سوف "يحث سورية على العودة إلى طاولة التفاوض." وكان توقع الروائي أموس أوز بخصوص المنظمة اللبنانية الأكثر عدوانية في معاداة إسرائيل توقعا يتسم بالإفراط في الجرأة والتفاؤل: "في اللحظة التي نغادر فيها جنوب لبنان سوف يكون علينا أن نمحو كلمة حزب الله من قاموسنا."
كيف تبدو الأمور بعد مرور عام؟
تبين أن فكرة أن الانسحاب الإسرائيلي سوف يُخيف دمشق ويدفعها إلى العودة للتفاوض هي فكرة ساذجة (وهي بالفعل تبدو كذلك). لقد ذهب الرئيس حافظ الأسد إلى قبره دون أن يعود إلى طاولة التفاوض وابنه بشار لم يبد حتى الآن أي رغبة أو نية في الحديث عن ذلك.
وتأكد بالمثل خطأ التوقع بأن إسرائيل سوف تتمتع بحدود شمالية هادئة تنعم بالسلام. لقد اختلق حزب الله إدعاءاً جديدا بأن مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل هي أراضي لبنانية وذلك من أجل إعطاء شرعية لاستمراره في أعماله العدائية. ولأن المنطقة الأمنية الإسرائيلية لم تعد تردع حزب الله، أصبح يهدد باستخدام صواريخ الكاتيوشا ضد الداخل الإسرائيلي مما أثار خوف سكان شمال إسرائيل حتى حيفا، المدينة الإسرائيلية الثالثة من حيث عدد السكان. قام حزب الله بالهجوم على إسرائيل سبعة مرات، وحاول التسلل داخل إسرائيل عدة مرات، وقام بأسر ثلاثة جنود إسرائيليين وقتل اثنين آخرين. في رد فعل على ذلك قامت الحكومة الإسرائيلية بإرسال طائرات مروحية هجومية مسلحة بالصواريخ والمدافع الآلية هاجمت موقع رادار سوري وقتلت ثلاث جنود سوريين.
باختصار، لم يتم محو "حزب الله" من القاموس الإسرائيلي.
إلا أن النتيجة الأكبر للانسحاب الإسرائيلي إنما شعر بها الفلسطينيون. وذاك التأثير كان عمليا في جزء منه، حيث بدأ حزب الله في إمداد السلطة الفلسطينيية بالتعليمات والسلاح. على سبيل المثل، تنقل ميدل إيست نيوزلاين توصل حزب الله إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية "لتدريب المقاتلين وإمدادها بأسلحة مضادة للدبابات والطائرات."
وتبنى الفلسطينيون التكتيكات والوسائل التي يتميز بها حزب الله – التفجيرات الانتحارية من جانب، وتفجيرات قنابل أرصفة الشوارع بواسطة الهواتف الخلوية من الجانب الآخر. وتبنوا حتى أسلوب حزب الله في تصوير أنفسهم وهم يقومون بالهجوم على الإسرائيليين، ثم إرسال الأفلام إلى وسائل الإعلام العربية والإسلامية.
والتأثير له جانب نفسي أيضا. لقد شاهد الفلسطينيون حزب الله يفرض على إسرائيل كل مطالبه دون أن يضطر إلى الجلوس على طاولة مفاوضات مع الديبلوماسيين الإسرائيليين؛ لقد كان هذا درساً ملموساً يحرك الفكر والمشاعر. وخلص الفلسطينيون من ذلك إلى أنهم إذا استخدموا القدر الكافي من العنف يستطيعون هم أيضا الحصول على مايريدون من إسرائيل دون أن يضطروا إلى التنازل وإلى الحلول الوسط.
عملية "لبننة" الفلسطينيين هذه كان لها نتائج وآثار هامة. يربط رئيس الوزراء آريل شارون بين الانسحاب الإسرائيلي من لبنان وبين "ما حدث فيما بعد" مع الفلسطينيين. وعبر عنها وبقوة أكبر رئيس قوة التحالف اللبنانية السابقة التابعة لإسرائيل؛حيث يقول أن كل تنازل تقدمه إسرائيل لحزب الله كان "مكلفاً وغالياً جداً" عليها في تعاملها مع الفلسطينيين.
بالتحديد، حث نجاح حزب الله الفلسطينيين أولا على رفض الشروط الكريمة التي قدمها فيما بعد إهود باراك لهم، حيث كانوا واثقين من أنهم قد يحققون الأفضل على أرض المعركة. لقد شجع نجاح حزب الله الفلسطينيين على ترك طاولة التفاوض وعلى العودة إلى العنف ضد إسرائيل. وهو يفسر تصاعد أعمال العنف التي بدأت بالصواريخ وتشمل الآن قنابل المورتر بعيدة المدى.
لقد عاشت الأغلبية العظمي من الإسرائيليين في العام الماضي حلما أو ضلالة حلوة مضمونها أن التنازلات أحادية الطرف أو الجانب للجيران سوف تمنحهم في النهاية القبول والهدوء. بعد ثمانية شهور من العنف الفلسطيني – الذي يرجع ويعود جزئيا إلى انسحاب إسرائيل من لبنان تحت نار القتال – اتضح وفي تزايد أن هذا الأمل كان أملا زائفاً.
ومع عودتهم المرتجفة للواقع، يستطيع الإسرائيليون تعزية أنفسهم بالقول أن التخلي عن الضلالة اللبنانية، بغض النظر عن قدر الألم الذي تسببه هذه العملية، هو الخطوة الأولى الضرورية نحو التعامل مع الأزمة الراهنة. أما الخطوة الثانية فهي إدراك أن قبول أواعتراف الجيران إنما ينشأ عن احترامهم وخوفهم من إسرائيل وليس عن قيامها بالتنازلات أحادية الطرف.