يبدأ دانيال بايبس مقالته بالاقتباس من والتر أ. ماكدوغال من جامعة بنسلفانيا الذي يقول في المجلد الاول من كتابه الذي وضعه في التاريخ الاميركي بعنوان "الحرية الآن، انها قريبة جداً" ان "تأسيس الولايات المتحدة الاميركية كان الحدث المحوري في القرون الاربعة الماضية".
من دون شك، يضيف بايبس، في حين ان هذا الحدث المحوري قد اثار آراء كثيرة، الا ان عشرات الملايين من المهاجرين ادلوا بـ "أصواتهم" لينزعوا عنهم الولاءات السابقة وينضموا الى هذه التجربة التي تجعل من "الحياة والحرية والسعي من اجل السعادة" هدفها الرسمي.
النتيجة كانت نجاحاً مذهلاً, "نحن نسيطر على كل حقل في النشاطات البشرية من تصاميم الموضة الى صناعة الافلام وعالم المال"، يقول المعلق الاميركي تشارلز كراوثامر. "نحن نحكم العالم ثقافياً واقتصادياً وديبلوماسياً وعسكرياً كما لم يفعل ذلك احد من قبل منذ الامبراطورية الرومانية"، يضيف كرواثامر. في هذا الاطار، فان العالم يتأثر حالياً بالانتخابات الاميركية المقبلة وتجري استطلاعات الرأي حول من قد ينتخبه غير الاميركيين لو قدر لهم ذلك.
هناك بالطبع جانب مظلم لهذا النجاح، وهو يشمل الحسد والخوف والكره. وقد قام كل من باري روبين وجوديث كلوب روبين بمراجعة هذا الجانب في كتابهما "تاريخ كره اميركا" الذي صدر عن اوكسفورد. وفي هذا الكتاب يحقق المؤلفان ثلاثة اشياء رئيسة.
اولاً: يدرج الكاتبان مجموعة من الآراء حول الولايات المتحدة بعضها غير منطقي والآخر لاذع جداً.
ـــ كونت دي بوفون يقول ان "القلب الاميركي متحجر، ومجتمع اميركا بارد، والامبراطورية الاميركية قاسية جداً"، ودي بوفون عالم فرنسي توفي عام 1749.
ـــ السياسي الفرنسي تاليران الذي توفي في التسعينات من القرن الثامن عشر يقول: "اميركا هي بلاد الـ 32 دين والصنف الواحد من الطعام الذي لا يؤكل".
ـــ الفيلسوف الفرنسي اليكسي دي توكفيل (قال في 1835): "هذا اقل بلد فيه استقلالية فردية وحرية نقاش".
ـــ سيغموند فرويد، العالم النفساني النمساوي الشهير، قال في الثلاثينات من القرن الماضي: "اميركا غلطة كبيرة.
ـــ المسرحي البريطاني جورج برناردشو (1933): "اميركا مستشفى مجانين".
ـــ الروائي الاميركي هنري ميلر (1945): "اميركا ثمرة تعفنت قبل ان تنضج".
ثانياً: الكاتبان روبين يخطّان تاريخ المعاداة لاميركا ويضعان خمسة مراحل لذلك. ففي القرن الثامن عشر سادت نظرية تقول بانحطاط اميركا ودونيتها الكامنة والمتأصلة. وتؤكد هذه النظرية ان الناس حين ينتقلون من اوروبا الى اميركا يتضاءلون في الحجم ويذبلون عقلياً في متاهات ومجاهل العالم الجديد.
أما مرحلة 1830 - 1880، فقد شهدت تركيزاً على "فشل التجربة الاميركية". وتقول هذه النظرية التي سادت في هذه الفترة ان الديمقراطية انتجت سياسة بائسة ومجتمع وثقافة على شفير الانهيار. وتضيف ان اميركا تشكل مثالاً سيئاً لا يمكن اتباعه.
اما مرحلة اميركا، بين 1880 و1945، فقد شهدت مخاوف من انتصار عسكري أميركي وسيطرة النموذج الاميركي على العالم. مثال على تلك الانتصارات التي حققتها الولايات المتحدة كان على اسبانيا في 1898 والحرب العالمية الاولى في 1918 والثانية في 1945.
كذلك فان موقع اميركا كواحدة من القوتين العظيمتين في الحرب الباردة عززت من تلك المخاوف. وفي حين ان الاتحاد السوفياتي لم يكن يتمتع بأي جاذبية خارج نطاق قوته العسكرية، فان الهيمنة الاميركية كانت ظاهرة في امور كثيرة مثل وجبات الطعام السريعة والافلام والموضة وبرامج الكمبيوتر.
وفي التسعينات برزت اميركا القوة الوحيدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة لـ"تحقق اسوأ كابوس يمكن للمعادين لأميركا رؤيته، والذين القوا اللوم على الولايات المتحدة بسبب المساوئ الموجودة او المنتشرة في العالم وانخرطوا في جهود غير مسبوقة للعداء لأميركا.
في النهاية، يوضح الكاتبان الذين وضعا مئات الصفحات حول الغضب تجاه اميركا والاسباب الكامنة وراء المعاداة لاميركا. فمنذ البداية، دفعت الآفاق الواسعة والحقول الغنية الممتدة الى ما لا نهاية الذين لم يأتوا الى اميركا ويعيشوا فيها الى محاولة تبرير خيارهم (في البقاء خارج اميركا).
ففي الداخل، يحاول الاميركيون تبرير عدم الانتقال للعيش في اميركا. لذلك، فان معاداة اميركا هي توأم الشعور باغراء وقوة اميركا.
لحد ما، فقد نجح هؤلاء في جهودهم المعادية لأميركا. ففي الخمسينات نجحت حملة فرنسية معادية للكوكاكولا في تخفيض مبيعات هذا المشروب الى ما دون اي مستوى في اوروبا الغربية. وتظهر استطلاعات الراي في العالم عدم الرضا عن الولايات المتحدة.