عندما أعلن باراك أوباما في حزيران / يونيو 2009 عن الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية، قائلا "أنا واثق من أننا إذا ما تمسكنا بها، ولأننا بدأنا في وقت مبكر، فإنه يمكننا إحراز بعض التقدم الجاد هذا العام"، فإنه أبان عن تفاؤل مؤثر وإن كان ساذجا.
والواقع أن تصميمه يتلائم ونمط راسخ من العزم والتصميم يتبناه السياسيون في "حل" الصراع العربي الإسرائيلي؛ حيث كانت هناك أربعة عشر مبادرة حكومية أمريكية خلال إدارتي جورج دبليو بوش فقط. هل يكن الأمر مختلفا هذه المرة؟ هل بذل جهد أكبر في المحاولة أو التعامل بمهارة أعظم يمكن أن يضع نهاية للصراع؟
لا، لا توجد فرصة مهما كان هذا الجهد أو العمل.
دون النظر في تفاصيل نهج أوباما - التي هي في حد ذاتها مشكلة – سأجادل لإثبات صحة ثلاثة نقاط أو أمور هي: المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية الماضية فشلت؛ وأن فشلها كان ناشئا عن الوهم الإسرائيلي المتمثل في تجنب الحرب؛ وأن واشنطن يجب أن تحث القدس على التخلي عن المفاوضات والعودة بدلا من ذلك إلى سياستها السابقة والأكثر نجاحا والمتمثلة في الحرب من أجل النصر.
1.مراجعة "عملية السلام"
من المحرج أن نتذكر البهجة والتفاؤل والتوقعات التي رافقت توقيع اتفاقات اوسلو في ايلول/ سبتمبر 1993 عندما تصافح رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين في حديقة البيت الابيض مع ياسر عرفات الزعيم الفلسطيني. ولبضع سنين، كانت "المصافحة" رمزا للدبلوماسية الرائعة، حيث حقق كل جانب أقصى ما كان يريده: كرامة واستقلال الفلسطينيين، أمن الإسرائيليين والاعتراف بهم.
يدا ايلول/ سبتمبر 1993، عندما تصافح اسحق رابين وياسر عرفات بينما الرئيس كلينتون يشاهدهما. |
وقد استضاف الرئيس بيل كلينتون الاحتفال وأشاد بالاتفاق باعتباره "مناسبة تاريخية عظيمة." وخلص وزير الخارجية وارن كريستوفر إلى أن "المستحيل هو في متناول أيدينا." ووصف ياسر عرفات التوقيع بأنه "حدث تاريخى وبداية عهد جديد". وقال وزير الخارجية الاسرائيلي شيمون بيريز إن المرء يرى فيه "خطة سلام الشرق الاوسط".
وأظهرت الصحافة توقعات مماثلة. اعتبر انطوني لويس، وهو كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، أن الاتفاق "مذهل" و "تم بناءه بناء مبتكرا". وكانت مجلة "تايم قد اختارت عرفات ورابين اثنين من "رجال عام" 1993. وليكتمل الأمر فاز عرفات ورابين وبيريز معا بجائزة نوبل للسلام عام 1994.
وعندما أدت الاتفاقات إلى تدهور أوضاع الفلسطينيين والإسرائيليين، بدلا من التحسن المتوقع، تبددت هذه التوقعات المتعجلة وبسرعة.
عندما كان الفلسطينيون لا يزالون يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية، قبل اتفاقات أوسلو، كانوا يستفيدون من سيادة القانون ومن اقتصاد متنام، ولم يكونوا في حاجة إلى برامج الغوث الدولي. كانوا ينعمون بالمدارس والمستشفيات العاملة؛ ويسافرون دون نقاط تفتيش ويتمتعون بحرية الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية. بل إنهم أسسوا عدة جامعات. وانخفض الإرهاب وتزايد قبول إسرائيل. لم تجلب أوسلو للفلسطينيين السلام والازدهار، وإنما الطغيان، والمؤسسات الفاشلة، والفقر، والفساد، وطائفة أو جماعة الموت، ومصانع الانتحار، والتطرف الإسلامي. وكان ياسر عرفات قد وعد ببناء اقطاعيته الجديدة في صورة سنغافورة الشرق أوسطية، ولكن واقع اقطاعيته التي يحكمها قد أصبح كابوسا من التبعية واللاإنسانية والكذب، أقرب إلى ليبيريا أو الكونغو.
أما بالنسبة للإسرائيليين، فقد شاهدوا تصاعد الغضب الفلسطيني تصاعدا كبيرا، مما أدى إلى وقوع أعمال عنف لم يسبق لها مثيل؛ وتفيد وزارة الخارجية الإسرائيلية أن عدد الإسرائيليين الذين قتلوا على أيدي إرهابيين فلسطينيين في السنوات الخمس التي انقضت على اتفاقات أوسلو هو أكبر من عدد من قتلوا في السنوات الخمسة عشر السابقة عليها. إذا كانت يدا مصافحة رابين-عرفات ترمزان إلى آمال اتفاقات أوسلو المبكرة، فإن اليدين الدمويتين لشاب فلسطيني قام بقتل جنود احتياط إسرائيليين في رام الله في أكتوبر/ تشرين الأول 2000 يمثلان النهاية الكئيبة للاتفاقات. وبالإضافة إلى ذلك، ألحق أوسلو أضرارا جسيمة بمكانة إسرائيل على الصعيد الدولي، وأحيا تساؤلات وشكوك حول وجود دولة يهودية ذات سيادة، وخاصة من قبل أصحاب اليسار السياسي، وتسبب في حدوث انحرافات أخلاقية مثل مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لمكافحة العنصرية في ديربان. من وجهة نظر إسرائيل، فإن سبع سنوات من دبلوماسية أوسلو، 1993-2000، كانت قد أدت وبدرجة كبيرة إلى إلغاء 45 عاما من النجاح في الحرب.
يدا تشرين الاول/ اكتوبر 2000 ، عندما رفع شاب فلسطينى يديه الملوثتين بالدماء الدموية بعد الاعتدء على اثنين من جنود الاحتياط الاسرائيلى. |
لا يتفق الفلسطينيون والإسرائيليون إلا قليلا، ولكنهم يتفقون بالإجماع تقريبا على أن اتفاقات أوسلو قد فشلت. ما يسمى "بعملية السلام" ينبغي أن يطلق عليه "عملية الحرب."
2. الأمل الزائف في حرب لطيفة
لماذا تطورت الأمور بطريقة خاطئة جدا؟ أين تكمن العيوب في الاتفاق الواعد جدا؟
من بين الأخطاء المتعددة، فإن الخطأ الأكبر إنما يكمن في سوء فهم اسحق رابين للكيفية التي تنتهي بها الحرب، كما كشفت عنه عبارته الشائعة "لا يصنع المرء سلاما مع أصدقائه. يصنع المرء سلاما مع عدوه." توقع رئيس الوزراء الاسرائيلى ان تختتم الحرب من خلال حسن النية والتوافق والوساطة والمرونة وضبط النفس والكرم والتنازلات، وتكون قمة ذلك التوقيعات على الوثائق الرسمية. وبهذه الروح، بادرت حكومته وخلفاؤه الثلاث - شيمون بيريز، بنيامين نتنياهو، إيهود باراك - بمجموعة من التنازلات، على أمل وتوقع أن يقوم الفلسطينيون بالمثل.
فهم اسحق رابين أن " المرء لا يصنع السلام مع أصدقائه وإنما يصنعه مع أعدائه" أخذ الدبلوماسية الإسرائيلية العربية بعيدا عن مسارها الصحيح. |
لكن الفلسطينيين لم يفعلوا. والواقع أن التنازلات الإسرائيلية أثارت العداء الفلسطيني. لقد فهم الفلسطينيون الجهود الإسرائيلية الرامية إلى "إحلال السلام" كعلامات على الضعف ونقص الثقة والعزيمة. "تنازلات مؤلمة" قللت من خشية إسرائيل والخوف منها في قلوب الفلسطينيين، وجعلت الدولة اليهودية تبدو ضعيفة، وأثارت وحرضت أحلام إبادة إسرائيل وتحرير كامل فلسطين. كل إيماءة تفاوض في إطار أوسلو من قبل إسرائيل إنما أدت إلى شعور الفلسطينيين بالبهجة والقوة وإلى مزيد من تطرفهم ومن حشدهم إلى الحرب. إن الأمل الهادئ عام 1993 في القضاء على إسرائيل اكتسب زخما، وأصبح مطلبا صامدا لا يهتز بحلول عام 2000. وتزايدت الأحاديث والخطب العدائية والأعمال العنيفة. وتشير استطلاعات الرأي والتصويت فى السنوات الاخيرة إلى أن 20 بالمائة فقط من الفلسطينيين يقبلون وجود دولة يهودية.
كان خطأ رابين بسيطا وعميقا: لا يمكن للمرء أن "يصنع السلام مع عدو"، كما كان يتصور. وإنما يصنع السلام مع عدو سابق. فالسلام يتطلب دائما تقريبا هزيمة أحد طرفي الصراع، ومن ثم يتخلى عن أهدافه.
حسن النية لا يضع نهاية للحروب وإنما النصر هو الذي يضع نهاية لها. قال صن تزو، الاستراتيجي الصيني القديم "ليكن هدفك العظيم [في الحرب] هو النصر." وكتب خلفه البروسي في القرن التاسع عشر كارل فون كلاوسفيتز في عام 1832: "الحرب هي أعمال عنف لإجبار العدو على الخضوع لإرادتنا". وفي عام 1951، كتب دوغلاس ماك آرثر أنه "في الحرب، لا بديل عن النصر."
إن التقدم التكنولوجي لم يغير هذه الرؤية. فالقتال إما أن يستمر أو يُستأنف ما دام الطرفان يأملان في تحقيق أهدافهما الحربية. فالنصر هو فرض الإرادة على العدو، مما يجبره على التخلي عن طموحاته الحربية. وتنتهي الحروب عادة عندما يتخلى أحد الطرفين عن الأمل، عندما يتم سحق إرادته على القتال.
تأتي الهزيمة عادة عقب وقوع خسائر مدمرة في ساحة المعركة، كما كان الحال في دول المحور عام 1945. ولكن هذا نادرا ما حدث خلال السنوات الستين الماضية. إن خسائر الدول العربية في ساحة المعركة مع إسرائيل في الأعوام 1948- 1982، وخسائر كوريا الشمالية في عام 1953، وخسائر صدام حسين في عام 1991، وخسائر السنة العراقية في عام 2003، لم تخلق حالة من اليأس والاستسلام. المعنويات والإرادة هما أكثر أهمية هذه الأيام. على الرغم من أنهم كانوا أكثر عددا وعدة حربية، استسلم الفرنسيون في الجزائر، والأمريكيون في فيتنام، والسوفييت في أفغانستان. ولا ننسى أن الحرب الباردة قد انتهت دون خسائر بشرية. سحق إرادة العدو للقتال، لا تعني بالضرورة إذا سحق العدو.
لقد سعى العرب والإسرائيليون منذ عام 1948 إلى تحقيق أهداف ثابتة ومتناقضة: قاتل العرب للقضاء على إسرائيل؛ وقاتل الإسرائيليون للفوز بقبول جيرانهم. واختلفت التفاصيل على مدى عقود مع تعدد الأيديولوجيات والاستراتيجيات والقيادات والزعامات واللاعبين الأساسيين، إلا أن أهداف كل طرف ظلت كما هي لم تتغير. لكي ينتهي الصراع يجب أن يخسر طرف وينتصر الآخر. إما أن يتم القضاء على الدولة الصهيونية أو أن تبقى وتنال قبول واعتراف جيرانها. هذان هما السيناريوهان الوحيدان لإنهاء الصراع. أي سيناريو آخر هو سيناريو لا يتمتع بالاستقرار ويؤدي إلى المزيد من أعمال الحرب.
لقد تمسك العرب بأهدافهم الحربية في صبر وعزم وتصميم؛ ولم تكن الاستثناءات ولم يكن الخروج عن هذا النمط (مثل معاهدتي السلام المصرية والأردنية) ذو أهمية من الناحية العملية لأنه لم يوقف العداء لوجود إسرائيل. وفي المقابل، حافظ الإسرائيليون على سجل هائل قوي من الرؤية الاستراتيجية والتألق التكتيكي في الفترة بين عامي 1948 و 1993. ومع مرور الوقت، ومع تطور إسرائيل إلى دولة ثرية، فقد سكانها الصبر على المهمة المهينة والبطيئة والمملة والمريرة والمكلفة من أجل إقناع العرب بقبول وجودهم السياسي. في الوقت الراهن، لا يزال سوى عدد قليل فقط من الإسرائيليين هو من يرى النصر هو الهدف؛ لا توجد تقريبا أي شخصية سياسية كبيرة في المشهد الإسرائيلي تدعو اليوم للانتصار في الحرب. أوزي لانداو، وهو حاليا وزير للبنية التحتية الوطنية، هو استثناء نادر في قوله "عندما تكون في حالة حرب فإن ما تريده هو الانتصار في الحرب."
العمل الشاق من أجل النصر
بدلا من النصر، وضع الإسرائيليون مجموعة خيالية من المقاربات لإنهاء الصراع:
- حل وسط أو تنازلات تتعلق بالأرض: اسحق رابين (وعملية أوسلو).
- تطوير الاقتصاد الفلسطيني: شيمون بيريز (وعملية أوسلو).
- القرارات والأعمال أحادية الجانب (بناء الجدار، الانسحاب من غزة): أرييل شارون، إيهود أولمرت، وحزب كاديما.
- استئجار الأراضي الواقعة تحت المدن الإسرائيلية في الضفة الغربية لمدة 99 عاما: أمير بيريتز وحزب العمل.
-
تشجيع الفلسطينيين على تطوير حكومة جيدة: ناتان شارانسكي (وجورج دبليو بوش).
-
التراجع عن التمسك بالأرض: اليسار الإسرائيلي.
-
حرمان الفلسطينيين غير الموالين من الجنسية الإسرائيلية: أفيغدور ليبرمان.
-
عرض أو مبادرة "الأردن هي فلسطین": عناصر من اليمين الإسرائیلي.
- طرد الفلسطينيين من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل: مئير كاهان.
إن هذه المقاربات، التي تتناقض مع بعضها البعض ولا يمكن الجمع بينها، إنما تهدف جميعها إلى التخفيف من حالة الحرب بدلا من كسبها. ولا يعالج أي منها الحاجة إلى كسر الإرادة الفلسطينية للقتال. ومثلما فشلت مفاوضات أوسلو، أتوقع أيضا أن تفشل أيضا كل خطة إسرائيلية تتجنب العمل الشاق من أجل النصر.
باختصار، منذ عام 1993، يسعى العرب إلى النصر بينما يسعى الإسرائيليون إلى التوصل إلى حل وسط. وبهذه الروح، أعلن الإسرائيليون بوضوح أنهم تعبوا من الحرب. قال إيهود أولمرت، قبل أن يصبح رئيسا للوزراء بقليل، نيابة عن كثير من الإسرائيلين، "لقد تعبنا من القتال، تعبنا من أن نتحلى دائما بالشجاعة، تعبنا من النصر، تعبنا من هزيمة أعدائنا". وبعد أن أصبح رئيسا للوزراء، أعلن اولمرت "إن السلام إنما يتحقق من خلال التنازلات؛ ونحن جميعا نعلم ذلك". مثل تلك التصريحات الانهزامية (التي تدعو للشعور بالهزيمة) دفعت يورام هازوني من مركز شاليم إلى وصف الإسرائيليين بأنهم "شعب مرهق، ومشوش لا يتصرف بناءً على التفكير السليم ولا يجد من يوجهه."
لكن من لا ينتصر يخسر. من أجل البقاء، يجب على الإسرائيليين في نهاية المطاف العودة إلى سياستهم السابقة لعام 1993 التي جوهرها أن إسرائيل قوية وقاسية وحازمة ودائمة. ويتحقق ذلك من خلال الردع - المهمة الشاقة المتمثلة في إقناع الفلسطينيين والآخرين بأن الدولة اليهودية ستتحمل وأن أحلام القضاء عليها سوف تفشل بالضرورة.
ايهود اولمرت متحدثا لمنتدى السياسة الإسرائيلية في حزيران / يونيو 2005 حيث أعلن ان الإسرائيليين "تعبنا من القتال، تعبنا من أن نتحلى دائما بالشجاعة، تعبنا من النصر، تعبنا من هزيمة أعدائنا." |
لن يكن هذا سهلا أو سريعا. بسبب أخطاء سنوات أوسلو وما بعدها (خاصة الانسحاب الأحادي الجانب من غزة عام 2005 وحرب لبنان في عام 2006)، يرى الفلسطينيون أن إسرائيل قوية اقتصاديا وعسكريا، ولكنها ضعيفة في روحها المعنوية وسياستها. تأمل كلمات زعيم حزب الله حسن نصر الله اللاذعة والشرسة في وصف إسرائيل، هي "أضعف من بيت العنكبوت". ومن المرجح أن يتطلب إنهاء هذا الازدراء عقودا من العمل الشاق. ولن يكن الأمر سارا: الهزيمة في الحرب عادة ما تنطوي على أن يشعر الخاسر بالحرمان والفشل واليأس.
تتمتع إسرائيل بقدر جيد من الحظ: فهي في حاجة فقط إلى ردع الفلسطينيين، وليس كل العرب والمسلمين. المغاربة والإيرانيون والماليزيون، وغيرهم يأخذون تعليماتهم من الفلسطينيين ومع مرور الوقت سوف يتبعون قيادتهم. عدو إسرائيل النهائي، الذي ينبغي سحقه، هو تقريبا من نفس حجم سكانها.
ويمكن النظر إلى هذه العملية بطريقة بسيطة. إن أي تطور يشجع الفلسطينيين على الاعتقاد بأنهم قادرون على القضاء على إسرائيل هو أمر سلبي، وأي تطور يحثهم على التخلي عن هذا الهدف هو أمر إيجابي.
إن هزيمة الفلسطينيين سوف تبدو واضحة لا لبس فيها، عندما يثبتون أنهم قبلوا إسرائيل واعترفوا بها، عبر فترة طويلة من الزمن ودون أي تراجع عن ذلك. هذا لا يعني محبة صهيون، لكنه يعني قبولها بشكل دائم - إصلاح النظام التعليمي لإخراج كل أشكال شيطنة اليهود وإسرائيل، وقول الحقيقة بخصوص العلاقات والصلة اليهودية بالقدس، وقبول العلاقات التجارية والثقافية والإنسانية الطبيعية مع الإسرائيليين .
المساعي السياسية والرسائل الفلسطينية الموجهة إلى المحرر مقبولة ولكن العنف غير مقبول. والهدوء الذي يلي ذلك يجب أن يكون دائما مستقرا. ومن الناحية الرمزية، يمكن للمرء أن يستنتج أن الفلسطينيين قد قبلوا إسرائيل وانتهت الحرب عندما لا يكون اليهود الذين يعيشون في الخليل (في الضفة الغربية) بحاجة إلى الأمن بمقدار أكبر من العرب الذين يعيشون في الناصرة (في إسرائيل).
3. سياسة الولايات المتحدة
مثل كل الأطراف التي هي خارج الصراع، يواجه الأمريكيون خيارا محددا بين: تأييد الهدف الفلسطيني في القضاء على إسرائيل أو تأييد هدف إسرائيل في كسب قبول واعتراف جيرانها.
تحديد الخيار يوضح أنه لا يوجد خيار- الخيار الأول هو خيار همجي، والثاني هو الخيار المتحضر. ولا يمكن لأي شخص مهذب أن يؤيد هدف الفلسطينيين في الإبادة الجماعية لجارتهم. يجب على الحكومة الأمريكية الوقوف مع إسرائيل في مسعاها لتحقيق الاعتراف بها وقبولها، متبعة في ذلك كل رئيس منذ هاري ترومان، وكل قرار وتصويت للكونغرس منذ ذلك الحين.
ليس هذا خيار أخلاقي واضح فحسب، بل إن انتصار إسرائيل سوف يكون هو أفضل ما حدث للفلسطينيين. إن إجبارهم أخيرا على التخلي عن حلمهم بالقضاء على إسرائيل وتحرير كامل فلسطين من شأنه أن يحررهم كي ينتبهوا ويركزوا جهودهم على سياساتهم واقتصادهم ومجمتعهم وثقافتهم. يحتاج الفلسطينيون إلى المرور بتجربة وبوتقة الهزيمة ليصبحوا شعبا طبيعيا – يتوقف الأباء فيه عن الاحتفال بأطفالهم وهم يصبحون إرهابيين انتحاريين، شعبا انهار هاجسه في عداء ورفض الصهيونية. لا يوجد طريق أو سبيل أقصر لتلك النتيجة.
هذا التحليل ينطوي على نهج مختلف جذريا للحكومة الأمريكية عن النهج الحالي. وعلى الجانب السلبي، فإنه يضع الفلسطينيين على علم بأن المنافع والفوائد سوف تتدفق عليهم فقط بعد أن يثبتوا قبولهم واعترافهم بإسرائيل. حتى ذلك الحين - لا دبلوماسية، لا مناقشة للوضع النهائي، لا اعتراف بدولة فلسطينية، وبالتأكيد لا مساعدات مالية أو أسلحة.
وعلى الجانب الإيجابي، يجب على الإدارة الأمريكية أن تعمل مع إسرائيل والدول العربية وغيرها من أجل حمل الفلسطينيين على قبول وجود إسرائيل من خلال إقناعهم بأنهم خسروا. وهذا يعني التأكيد على الحكومة الإسرائيلية ضرورة اتخاذ خطوات من شأنها أن تثبت للفلسطينيين أن قضيتهم خاسرة، وعدم اكتفائها فقط بالدفاع عن نفسها. ولا ينبغي أن يقتصر ذلك على استعراض القوة من وقت لآخر (مثل حرب 2008 - 2009 ضد حماس في غزة)، ولكن ينبغي أن يكون ذلك ببذل جهد مستمر ومنتظم بهدف هزيمة عقلية عدوانية والقضاء عليها.
إن انتصار إسرائيل يساعد أيضا وبشكل مباشر حليفتها الأمريكية، لأن بعض أعدائها - حماس وحزب الله وسوريا وإيران - هم أيضا أعداء أميركا. إن التكتيكات الإسرائيلية الأكثر صرامة سوف تساعد واشنطن أيضا في صور أبسط من ذلك. يجب على واشنطن أن تشجع القدس على عدم الدخول في تبادل للأسرى أو السجناء مع الجماعات الإرهابية، وعدم السماح لحزب الله بإعادة التسليح في جنوب لبنان، وعدم السماح لفتح أو حماس بفعل ذلك في غزة، وعدم الانسحاب من جانب واحد من الضفة الغربية (والذي من شأنه أن يضعها في أيدي إرهابي حماس ويهدد الحكم الهاشمي في الأردن).
إن الدبلوماسية التي تهدف إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي هي أمر سابق لأوانه ولابد من وقفها حتى يتخلى الفلسطينيون عن معاداة الصهيونية. وعندما تحل هذه اللحظة السعيدة، يمكن أن تبدأ المفاوضات ويتم تناول قضايا أوسلو من جديد - الحدود والموارد والأسلحة والمقدسات والحقوق السكنية. ولكن بيننا وبين ذلك أعواما وعقودا. في غضون ذلك، الحليف ينبغي أن ينتصر.
...................................................
إضافات بتاريخ 21 سبتمبر 2009: (1) تمثل هذه المقالة النسخة المكتوبة لحديث ألقيته عدة مرات. (2) تبني المقالة الحالية على تحليل سابق لنفس الموضوع تم نشره عام 2003، "هل تحتاج إسرائيل إلى خطة [سلام]؟" وهي مقالة كان معظم اهتمامها تحديد ودحض "الحلول" العديدة للنزاع؛ بينما المقالة الحالية تركز أكثر على خسائر وهم أوسلو التي تكبدتها إسرائيل.
تحديث بتاريخ 23 مايو 2011 : "عملية الانتصار" هو المصطلح القيم والهام الذي صاغه نيوت جنغريتش اليوم. وفيما يلي سياق ذلك:
لا يمكن أن يكون هناك سلام قبل هزيمة حماس. ويجب أن تحل عملية الانتصار محل "عملية السلام." ... نحن قادرون على هزيمة حماس ... وعندئذ يمكن أن تكون هناك عملية سلام حقيقية.
الجمع بين مصطلحاته ومصطلحاتي: سوف تبقى "عملية السلام" "عملية حرب" حتى تتحول إلى "عملية انتصار."