[ملحوظة: عنوان مجلة كومنتاري هو "استراتيجية جديدة لتحقيق النصر الإسرائيلي". لنسخة قصيرة لهذه الحجة، انظر "الهزيمة الفلسطينية هي خير للجميع."]
تناسب الدبلوماسية الإسرائيلية-الفلسطينية للأسف الوصف الكلاسيكي للجنون: "فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة". وتبقى الافتراضات المماثلة – الأرض مقابل السلام، وحل الدولتين، مع كون العبء أساساً على إسرائيل – بصورة دائمة في مكانها، بغض النظر عن عدد مرات فشلها. تركت عقود من ما يسميه المطلعون "معالجة السلام" الأمور أسوأ مما كانت عليه عندما بدأت، وحتى الآن لا تزال القوى العظمى على إصرارها، مرسلةً دبلوماسياً بعد دبلوماسي إلى القدس ورام الله، على أمل أن الجولة المقبلة من المفاوضات ستؤدي إلى انفراجة بعيدة المنال.
لقد حان الوقت لاتباع نهج جديد، وإعادة التفكير الأساسي في المشكلة. وهو يعتمد على استراتيجية ناجحة لإسرائيل كما نفذتها خلال سنواتها الخمس والأربعون الأولى. يطرح فشل الدبلوماسية الإسرائيلية-الفلسطينية منذ عام 1993 هذا النهج البديل – مع التأكيد على الصلابة الإسرائيلية في السعي لتحقيق النصر. هذا، ولعل من المفارقات، أن يعود هذا بالنفع على الفلسطينيين ويعزز الدعم الأميركي.
1. شبه استحالة الحل الوسط
اتبع الفلسطينيون والإسرائيليون منذ إعلان بلفور عام 1917، أهدافاً ثابتة ومتقابلة.
تظهر هذه الخريطة النموذجية باللغة العربية "فلسطين عروسي" باستثناء إسرائيل. |
في السنوات التي سبقت إنشاء الدولة الجديدة، عَبَر مفتي القدس أمين الحسيني، عن سياسة الرفضية، أو القضاء على كل أثر للوجود اليهودي في ما يعرف الآن بإقليم إسرائيل. [1] لا يزال ذلك قائماً. خرائط باللغة العربية تظهر "فلسطين" تحل محل إسرائيل ترمز إلى هذا الطموح المستمر. الرفضية عميقة لدرجة أنها لا توجه السياسة الفلسطينية فقط ولكنها توجه الكثير من الحياة الفلسطينية. بالاتساق، والطاقة، والمثابرة، اتبع الفلسطينيون الرفضية عن طريق ثلاثة مناهج رئيسية: إضعاف معنويات الصهاينة من خلال العنف السياسي، والإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي من خلال المقاطعة التجارية، وإضعاف شرعية إسرائيل من خلال الحصول على الدعم الأجنبي. تميل الخلافات بين الفصائل الفلسطينية إلى أن تكون تكتيكية: التحدث إلى الإسرائيليين للحصول على تنازلات منهم أم لا؟ يمثل محمود عباس وجهة النظر السابقة و خالد مشعل وجهة النظر الأخيرة.
وعلى الجانب الإسرائيلي، يتفق الجميع تقريباً على ضرورة الفوز بالقبول من جانب الفلسطينيين (وسائر العرب والمسلمين)؛ الاختلافات مرةً أخرى اختلافات تكتيكية. أوضح ديفيد بن جوريون نهجاً واحداً، إظهار ما يمكن أن يكسبه الفلسطينيون من الصهيونية. وضع فلاديمير جابونسكى رؤيةً معاكسة، محتجاً بأن الصهاينة لا خيار لهم سوى كسر إرادة الفلسطينيين المستعصية على الحل. ويبقى نهجهما المتنافسين محك المناقشة السياسة الخارجية لإسرائيل، مع إسحاق هيرتزوج وريث بن جوريون وبنيامين نتنياهو وريث جابونسكى.
ظل هذين المسعيين – الرفضية والقبول – دون تغيير أساسي لقرن من الزمان؛ السلطة الفلسطينية الحالية وحماس وحزب العمل وحزب الليكود هم أحفاد مباشرون للحسيني وبن جوريون وجابونسكى. وتعني الإيديولوجيات والأهداف والتكتيكات والاستراتيجيات والجهات الفاعلة المتنوعة أن التفاصيل قد تنوعت، حتى مع بقاء الأساسيات بشكلٍ ملحوظ في مكانها. أتت الحروب والمعاهدات وذهبت، مُحدثةً تغيرات طفيفة فحسب. كان للعديد من جولات القتال بشكلٍ مدهش أثراً ضئيلاً على الأهداف في نهاية المطاف، بينما كانت الاتفاقات الرسمية (مثل اتفاقات أوسلو لعام 1993) تزيد العداء لوجود إسرائيل فحسب، ولذا كانت تؤدي إلى نتائج عكسية.
الرفض الفلسطيني أو القبول بإسرائيل هو عملية ثنائية: نعم أو لا، دون حلول وسط. وهذا يجعل الحل الوسط يكاد يكون مستحيلاً لأن الحل يتطلب أن يتخلى جانب واحد تماماً عن هدفه. إما أن يتخلى الفلسطينيون عن رفضهم الذي بلغ مدة قرن للدولة اليهودية أو يتخلى الصهاينة عن سعيهم البالغ 150 عاماً لإقامة وطن ذو سيادة. وأي شيء آخر غير هاتين النتيجتين هو تسوية غير مستقرة تكون بمثابة فرضية لجولة مقبلة من الصراع فحسب.
"عملية السلام" التي فشلت
يؤسس الردع، أي إقناع الفلسطينيين والدول العربية بقبول وجود إسرائيل بالتهديد بالانتقام المؤلم، لسجل إسرائيل الهائل في الفترة من 1948 إلى 1993 من الرؤية الاستراتيجية والبراعة التكتيكية. خلال هذا الوقت، أدى الردع دوره لدرجة أن أعداء إسرائيل من الدول العربية قد نظروا إلى البلد بطريقة مختلفة جداً في نهاية تلك الفترة؛ في عام 1948، توقعت الجيوش العربية الغازية خنق الدولة اليهودية عند الولادة، ولكن قبل عام 1993، شعر عرفات بأنه مضطر للتوقيع على اتفاق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وبالرغم من ذلك فلم ينه الردع الوظيفة؛ حيث بني الإسرائيليون بلداً حديثاً ديمقراطياً غنياً قوياً، وهي الحقيقة التي لا يزال الفلسطينيون والعرب والمسلمون، واليساريون (بشكلٍ متزايد) يرفضونها فأصبحت مصدراً للإحباط المتصاعد. زاد قلق جماهير إسرائيل الفاعلة غير الصبورة بسبب الصفات غير الجذابة للردع، والتي هي بحكم طبيعتها سلبية وغير مباشرة وقاسية وبطيئة ومملة ومهينة ورجعية ومكلفة. كما أنها لا تحظى بشعبية دولية.
وقد أدى نفاد الصبر هذا إلى العملية الدبلوماسية التي توجت بالمصافحة لتأكيد توقيع اتفاقات أوسلو في حديقة البيت الأبيض في سبتمبر 1993. لفترة وجيزة، كانت "المصافحة" (كما تم تحويلها إلى رأس مال بعد ذلك) بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين بمثابة رمز للوساطة الناجحة التي أعطت كل جانب ما كان يريده بشده: الكرامة والاستقلال الذاتي للفلسطينيين والاعتراف والأمن للإسرائيليين. ومن بين العديد من الجوائز، فاز كل من عرفات ورابين ووزير خارجية إسرائيل شيمون بيريز بجائزة نوبل للسلام.
عرفات وبيريز ورابين مع جائزة نوبل المشتركة، عام 1994. |
وسرعان ما خيبت الاتفاقات، مع ذلك، أمل كلا الجانبين. في الواقع، في حين يتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على القليل، فإنهم يتفقون بشبه إجماع على أن أوسلو كانت كارثة.
عندما كان الفلسطينيون لا يزالون يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة قبل أوسلو، فقد ازداد قبول إسرائيل على مر الزمن وحتى بينما تقلص العنف السياسي. يستطيع سكان الضفة الغربية وقطاع غزة السفر محلياً دون المرور عبر نقاط التفتيش والوصول إلى مواقع العمل داخل إسرائيل. لقد استفادوا من سيادة القانون واقتصاد تنامى أكثر من أربع مرات دون اعتماد على المعونة الخارجية. ظهرت المدارس والمستشفيات العاملة كما ظهرت العديد من الجامعات.
وعد ياسر عرفات بتحويل غزة إلى "سنغافورة الشرق الأوسط"، ولكن استبداده وعدوانه ضد إسرائيل بدلاً من ذلك حول معقله إلى كابوس، تشبه الكونغو أكثر من سنغافورة. غير راغب في التخلي عن الثورة الدائمة وليصبح القائد العادي لدولة غامضة، استغل اتفاقات أوسلو لإلحاق التبعية الاقتصادية والطغيان وفشل المؤسسات والفساد والإسلاموية وعبادة الموت بالفلسطينيين.
بالنسبة للإسرائيليين، لم تؤد أوسلو إلى نهاية مأمولة للصراع، بل إلى طموحات فلسطينية ملتهبة للقضاء على الدولة اليهودية. وكلما استعر الغضب الفلسطيني، كان يُقتَل المزيد من الإسرائيليين في الخمس سنوات التي تلت أوسلو أكثر من السنوات الخمس عشرة السابقة لها. استعرت الهتافات الغوغائية الملتهبة وأعمال العنف - وتستمر بلا هوادة بعد 23 عاماً. وعلاوةً على ذلك، تكلف جهود نزع الشرعية الفلسطينية إسرائيل دولياً لتحول اليسار ضدها، مفرخةً مثل هذه التحف الصهيونية مثل مؤتمر الأمم المتحدة العالمي ضد العنصرية في ديربان والمقاطعة وسحب الاستثمارات وحركة فرض العقوبات.
شهد مؤتمر الأمم المتحدة العالمي ضد العنصرية في ديربان ظهور اليساريين المعادين للصهيونية. |
من وجهة نظر إسرائيل، سبع سنوات من تهدئة أوسلو، 1993-2000، قد أفقدتها 45 سنة من الردع الناجح؛ ثم، ست سنوات من الانسحابات الأحادية الجانب، 2000-2006، قد أمعنت كذلك في دفن الردع. لم يشهد العِقد منذ عام 2006 أي تغييرات رئيسية.
وأظهرت عملية أوسلو عدم جدوى التنازلات الإسرائيلية للفلسطينيين عندما يفشل الفلسطينيون في الوفاء بالتزاماتهم. ومن خلال الإشارة إلى الوهن الإسرائيلي، جعلت أوسلو الوضع السيئ اشد سوءاً. وما يسمى تقليديا باسم "عملية السلام" يجب أن يطلق عليها بشكلٍ أدق اسم "عملية الحرب".
الأمل الزائف لاصطناع النصر
لماذا سارت الأمور بشكلٍ خاطئ جداً في ما بدا اتفاقاً واعداً جداً؟
تقع المسؤولية الأخلاقية لانهيار أوسلو فقط على ياسر عرفات ومحمود عباس وبقية قيادات السلطة الفلسطينية. فقد تظاهروا بالتخلي عن الرفضية وتقبل وجود إسرائيل، إلا أنهم، في الواقع، سعوا في القضاء على إسرائيل بطرق جديدة وأكثر تطوراً، مستبدلين القوة بنزع الشرعية.
وعلى الرغم من هذا، فقد أخطأ الإسرائيليون خطأً عميقاً، بعد أن دخلوا عملية أوسلو بفرضية خاطئة. وكثيراً ما لخص اسحق رابين هذا الخطأ في العبارة "أنت لا تصنع السلام مع الأصدقاء. أنت تصنعه مع أعداء تافهين جداً. " [2]، وبعبارة أخرى، فقد توقعَ إنهاء الحرب من خلال حسن النية والمصالحة والوساطة والمرونة وضبط النفس والكرم والتسوية التي تذيل مع التوقيعات الوثائق الرسمية. وبهذه الروح، وافقت حكومته وجميع تابعيها على مجموعة واسعة من الامتيازات، حتى إلى حد السماح لميليشيا فلسطينية، دائماً على أمل تعامل الفلسطينيين بالمثل بقبول الدولة اليهودية.
لم يفعلوا ذلك ابداً. وعلى العكس من ذلك، أدت التنازلات الإسرائيلية إلى تفاقم العداء الفلسطيني. كل لفتة زادت الكيان السياسي الفلسطيني تطرفاً وهياجاً وحشداً. استُقبلت الجهود الإسرائيلية الرامية إلى تحقيق السلام كعلامات للإحباط والضعف . خفضت "التنازلات المؤلمة" رهبة الفلسطينيين من إسرائيل، وأظهرت الدولة العبرية بمظهر الضعف، ونشرت أحلام الفناء الوحدوية.
باستذكار الماضي، فهذا لا يثير أي دهشة. بالتناقض مع شعار رابين، لا "يصنع الفرد [السلام] مع أعداء تافهين جداً" بل بالأحرى مع أعداء سابقين تافهين جداً. بمعنى الأعداء المنهزمين.
وهذا يقودنا إلى المفهوم الرئيسي لنهجي، الذي هو الانتصار، أو فرض إرادة طرف على العدو، وإجباره من خلال الخسارة بالتخلي عن طموحاته المتعلقة بالحرب. تنتهي الحروب، كما يبين سجل التاريخ، ليس من خلال حسن النية ولكن من خلال الهزيمة. فالذي لا يفوز، يخسر. وتنتهي الحروب عادة عندما يؤدي الفشل بجانب واحد إلى إلياس، عندما يتخلى هذا الجانب عن أهدافه الحربية ويقبل الهزيمة وعندما تستنفذ تلك الهزيمة عزمه على القتال. على العكس من ذلك، ما دام كلا المتحاربين لا يزالان يأملان في تحقيق أهدافهما الحربية، فإما أن يستمر القتال أو أنه من المحتمل أن يُستأنف.
يتفق المفكرون والمحاربون على مر العصور على أهمية النصر باعتباره الهدف الصحيح للحرب. على سبيل المثال، كتب أرسطو أن "النصر هو غاية البراعة العسكرية" وذكر دوايت أيزنهاور أن "في الحرب، ليس هناك بديل للنصر." ولم يغير التقدم التكنولوجي هذه الحقيقة البشرية الثابتة.
أرسطو (384-322 قبل الميلاد) |
وتشمل نزاعات القرن العشرين التي انتهت بحسم الحرب العالمية الثانية، والصين والهند، والجزائر وفرنسا، وفيتنام الشمالية والولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى والأرجنتين، الاتحاد السوفياتي وأفغانستان، والحرب الباردة. يمكن أن تنتج الهزيمة من سحق عسكري أو من تراكم الضغوط الاقتصادية والسياسية؛ فهي لا تتطلب هزيمة عسكريةً تامةً أو دماراً اقتصادياً، ناهيك عن إبادة للسكان. على سبيل المثال، الهزيمة الوحيدة في تاريخ الولايات المتحدة، في جنوب فيتنام في عام 1975، لم تحدث بسبب الانهيار الاقتصادي أو نفاد الذخيرة أو الفشل في ساحة المعركة (كان الجانب الأمريكي يفوز بالحرب البرية) ولكن لأن الأميركيين فقدوا الإرادة للتجنيد.
في الواقع، يمثل عام 1945 خط فاصلاً. قبل ذلك الحين، سحق التفوق العسكري الساحق إرادة العدو للقتال؛ ومنذ ذلك الحين، نادراً ما وقعت النجاحات الكبرى في ساحة المعركة. لم يعد يتَرجَم التفوق في ساحة المعركة كما تُرجِمَ مرة على أنه كسر عزيمة العدو للقتال. بمصطلحات كلاوزفيتز، المعنويات والإرادة هما الآن مركز الثقل، لا الدبابات والسفن. فعلى الرغم من تفوق الفرنسيين في العدد والعتاد على خصومهم في الجزائر، مثلما تفوق الأميركيون في فيتنام والسوفيات في أفغانستان، فقد خسرت جميع هذه القوى حروبها. على العكس من ذلك، لم تترجم خسائر أرض المعركة التي عانت منها الدول العربية في الفترة 1948-1982، وكوريا الشمالية في الفترة 1950-1953، والعراق في عام 1991 وعام 2003 إلى الاستسلام والهزيمة.
عندما يحافظ جانب خاسر على أهدافه الحربية، يظل استئناف الحرب ممكناً ومحتملاً حتى. احتفظ الألمان بهدفهم المتمثل في حكم أوروبا بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، وتطلعوا إلى هتلر لمحاولة أخرى، مما دفع الحلفاء على تحقيق النصر التام لضمان صد الألمان عن المحاولة لمرة ثالثة. انتهت الحرب الكورية في عام 1953، ولكن احتفظَ الشمال والجنوب كليهما بأهدافهما الحربية، مما يعني أن الصراع قد يُستأنف في أي وقت، كما يمكن أن تُستأنف الحرب بين الهند وباكستان. خسر العرب كل جولة من الحروب مع إسرائيل (1948-1949، عام 1956 وعام 1967 وعام 1973 وعام 1982) لكنهم رأوا لفترة طويلة أن هزائمهم مجرد هزائم عابرة وسعوا لمحاولةٍ أخرى.
ثانيا. تحقيق النصر الصعب
كيف يمكن لإسرائيل تحفيز الفلسطينيين للتخلي عن الرفضية؟
بالنسبة للمبتدئين، ظهرت مجموعة ملونة (تستبعد بعضها بعضا) من الخطط لإنهاء الصراع بشكل إيجابي لصالح إسرائيل خلال العقود. [3] تنتقل من الأنعم إلى الأصعب، وتشمل هذه:
- الانسحاب من الأراضي من الضفة الغربية أو المساومة على الأرض في داخل الضفة الغربية.
- استئجار الأراضي التابعة للمدن الإسرائيلية في الضفة الغربية.
- إيجاد طرق خلاقة لتقسيم الحرم القدسي الشريف.
- تنمية الاقتصاد الفلسطيني.
- تشجيع الحكم الفلسطيني الرشيد.
- نشر القوات الدولية.
- جمع الأموال الدولية (على غرار خطة مارشال).
- الأحادية (بناء جدار).
- الإصرار على أن الأردن هي فلسطين.
- استثناء الفلسطينيين غير الأوفياء من الجنسية الإسرائيلية.
- طرد الفلسطينيين من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.
المشكلة أن أياً من هذه الخطط لا يتناول الحاجة إلى كسر إرادة الفلسطينيين للقتال. هم جميعاً يديرون النزاع دون حله. وجميعهم يسعون إلى اصطناع حيلة النصر بوسيلة للتحايل. تماماً كما فشلت مفاوضات أوسلو، فسوف يفشل جداً كل مخطط آخر يلتف حول العمل الجاد للفوز.
يعني هذا النمط التاريخي أن لدى إسرائيل خيار واحد فقط للفوز بالقبول الفلسطيني: العودة إلى سياستها القديمة للردع، ومعاقبة الفلسطينيين عندما يهاجمون. يُعتبر الردع بمثابة تكتيكات أكثر من صعبة، والتي تتبعها كل حكومة إسرائيلية؛ وهو يتطلب سياسات نظامية تشجع الفلسطينيين على قبول إسرائيل وتثبط الرفضية. فهو يتطلب استراتيجية طويلة الأجل تعزز تغييراً للقلب.
تحفيز تغيير القلب ليست عملية جميلة أو سارة لكنها تستند إلى سياسة متناسبة ومتدرجة. إذا تَعدىَ الفلسطينيون باعتدال، فيجب أن يدفعوا باعتدال، وهكذا. تعتمد الاستجابات على ظروف محددة، لذا فيما يلي ما هي إلا اقتراحات عامة كأمثلة لتقترحها واشنطن، منتقلين من الأخف إلى الأشد:
عندما يتسبب "الشهداء" الفلسطينيين في أضرار مادية، ادفعوا ثمن التصليح من أصل 300 مليون دولار تقريباً التي تلتزم حكومة إسرائيل بتحويلها كالتزامات ضريبية إلى السلطة الفلسطينية كل عام. الاستجابة للأنشطة الرامية إلى عزل وإضعاف إسرائيل دولياً عن طريق الحد من الوصول إلى الضفة الغربية. عندما يتم قتل مهاجم فلسطيني، يتم دفن الجثة بهدوء وبشكلٍ مجهول الهوية في حقل فخاري. عندما تحرض قيادة السلطة الفلسطينية على العنف، امنعوا المسؤولين من العودة إلى السلطة الفلسطينية من الخارج. الاستجابة لقتل الإسرائيليين بتوسيع البلدات اليهودية في الضفة الغربية. عندما يتم إدارة الأسلحة الرسمية للسلطة الفلسطينية ضد الإسرائيليين، صادروها واحظروا الأسلحة الجديدة، وإذا تكرر هذا مراراً، فككوا البنية الأساسية الأمنية للسلطة الفلسطينية. وإذا استمر العنف، خفضوا ثم أوقفوا الماء والكهرباء التي تزودها إسرائيل. وفي حالة إطلاق النار والقصف بقذائف الهاون والصواريخ، احتلوا وسيطروا على المناطق التي تنشأ منها هذه العمليات.
وبطبيعة الحال، تتعارض هذه الخطوات تماماً مع إجماع الآراء في إسرائيل اليوم، الذي يسعى قبل كل شيء إلى إبقاء الفلسطينيين هادئين. ولكن وجهة النظر القاصرة هذه قد تشكلت تحت ضغوط متواصلة من العالم الخارجي، وحكومة الولايات المتحدة خصوصاً، لإرضاء السلطة الفلسطينية. وسيشجع إزالة هذا الضغط الإسرائيليين دون شكٍ على اعتماد تكتيكات أكثر حزماً وهي المبينة هنا.
صنع السلام الحقيقي يعني إيجاد سبل لإجبار الفلسطينيين على الخضوع لتغيير القلب والتخلي عن الرفضية وقبول اليهود والصهيونية وإسرائيل. عندما يتخلى ما يكفي من الفلسطينيين عن حلم القضاء على إسرائيل، فإنهم سوف يقدمون التنازلات اللازمة لوضع نهاية للصراع. لوضع حد للنزاع، يجب أن تقنع إسرائيل 50 في المائة وأكثر من الفلسطينيين بأنهم قد خسروا.
والهدف هنا ليس الحب الفلسطيني لصهيون ولكن إغلاق آلة الحرب: إغلاق المصانع الانتحارية وإزالة شيطنة اليهود وإسرائيل والاعتراف بالروابط اليهودية مع القدس، و"تطبيع" العلاقات مع الإسرائيليين. سوف يتحقق القبول الفلسطيني لإسرائيل عندما، على مدى فترة مطولة ومع الاتساق الكامل، ينتهي العنف، ويُستبدل بخطوات سياسية جديدة ذات كلمات واضحة ورسائل إلى المحرر. رمزياً، سوف ينتهي الصراع عندما لا يكون لليهود الذين يعيشون في الخليل (في الضفة الغربية) حاجة إلى الأمن أكثر من الفلسطينيين الذين يعيشون في الناصرة (في إسرائيل).
حارس شرطة حدود إسرائيلي يحرس مجموعة من السياح الإسرائيليين الذين يزورون الخليل في أبريل 2014. |
لأولئك الذين يعتقدون أن الفلسطينيين متعصبون جداً بشكلٍ لا يُمَكِن من هزيمتهم، أرد على ذلك: إذا كان الألمان واليابانيين لا يقلون تعصباً ويزيدون قوةً بكثير، وأمكن هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية ثم تحولوا إلى مواطنين طبيعيين، فلماذا لا يحدث هذا مع الفلسطينيين الآن؟ وعلاوةً على ذلك، فقد استسلم المسلمون مراراً وتكراراً للكفار عبر التاريخ عندما واجهوا قوةً فائقةً عاقدة العزم، من إسبانيا إلى البلقان إلى لبنان.
وتتمتع إسرائيل بقطعتين من الحظ الجيد. أولاً، لا يبدأ الجهد الذي تبذله من فراغ؛ تشير استطلاعات الرأي وغيرها من المؤشرات إلى أن 20 في المائة من الفلسطينيين والعرب الآخرين يقبلون الدولة اليهودية بثبات. ثانياً، هي بحاجة إلى ردع الفلسطينيين فحسب، كعنصر فاعل ضعيف جداً، وليس جميع السكان العرب أو المسلمين. وعلى الرغم من ضعف الفلسطينيين بشروط موضوعية (الاقتصاد والقوة العسكرية)، هم يشنون الحرب ضد إسرائيل؛ لذلك، عند تخليهم عن الرفضية، فسوف يحذوا الآخرون (مثل المغاربة والإيرانيين والماليزيين، وآخرين) حذوهم، ومع مرور الوقت، من المرجح أن يتبعوا نهجهم.
ينتفع الفلسطينيون من هزيمتهم
مهما كسب الإسرائيليون من إنهاء مشكلتهم الفلسطينية المتبقية، فهم يعيشون في بلد حديث ناجح استوعب العنف ونزع الشرعية المفروضين عليهم. [4]، على سبيل المثال، تضع استطلاعات الرأي الإسرائيليين بين أسعد الناس في أي مكان، ومعدل المواليد المزدهر في البلاد يؤكد هذه الانطباعات.
وفي المقابل، يغرق الفلسطينيون في البؤس ويشكلون السكان الأكثر تطرفاً في العالم. تبين استطلاعات الرأي أنهم على الدوام يختارون مَذْهَب الْعَدْمِيَّة . أي آباء بخلافهم يحتفون بكون أطفالهم انتحاريين؟ أي شعب آخر يعطي أولويةً أعلى لإلحاق الأذى بجاره أكثر من تحسين أسهمه؟ تدير حماس والسلطة الفلسطينية على حد سواء أنظمةً استبداديةً تقمع رعاياها وتسعى إلى تحقيق أهداف مدمرة. يعتمد الاقتصاد في الضفة الغربية وقطاع غزة، أكثر من أي مكان آخر، على المال المجاني من الخارج، خالقاً التبعية والسخط. تتراجع العادات الفلسطينية وتصبح أكثر شبهاً بالقرون الوسطى طيلة الوقت. أشخاص مهرة وطموحين يُحبسون في القمع السياسي وفشل المؤسسات وثقافة تحتفل بالوهم والتطرف والتدمير الذاتي.
انتصار إسرائيلي يحرر الفلسطينيين. تجبرهم الهزيمة على التصالح مع الأوهام الوحدوية والشعارات الجوفاء للثورة. كما أن الهزيمة تحررهم لتحسين حياتهم. وبتحريرهم من هاجس الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، يمكن للفلسطينيين أن يصبحوا أناساً طبيعيين ويطوروا نظام الحكم والاقتصاد والمجتمع والثقافة لديهم. ويمكن أن تبدأ المفاوضات أخيراً بشكلٍ جدي. باختصار، باعتبار نقطة انطلاقهم الأقل بكثير، فسوف يربح الفلسطينيون، بشكلٍ ساخر، من هزيمتهم أكثر مما سيربحه الإسرائيليون من انتصارهم.
وبالرغم من ذلك، فلن يكون هذا التغيير سهلاً أو سريعاً: سوف يضطر الفلسطينيون إلى المرور من خلال بوتقة الهزيمة المرة، بكل ما بها من الحرمان والتدمير واليأس بينما ينبذون الإرث القذر لأمين الحسيني ويعترفون بخطأهم الذي دام قرناً. إلا أنه ليس هناك طريق مختصر.
الحاجة إلى الدعم الأميركي
ينشر الفلسطينيون فريق دعم عالمي فريد مؤلف من الأمم المتحدة وعدد كبير من الصحفيين والنشطاء والمربين والفنانين والإسلاميين واليساريين. هم لا يحجبون جبهة التحرير الأفريقية، لكنهم القضية الثورية المفضلة في العالم. وهذا يجعل مهمة إسرائيل طويلةً وصعبةً وتعتمد على حلفاء أقوياء، قبل كل شيء حكومة الولايات المتحدة.
ولكي تكون واشنطن مفيدةً فهذا لا يعني سحب الأطراف مرةً أخرى إلى المزيد من المفاوضات ولكن دعم إسرائيل بقوة في الطريق إلى النصر. ولا يُترجم هذا فقط إلى الدعم المتقطع لعروض إسرائيل للقوة ولكن إلى جهد دولي مستمر ومنهجي للعمل مع إسرائيل، والدول العربية المُختارة، وغيرهم لإقناع الفلسطينيين بعدم جدوى رفضيتهم: إسرائيل موجودة ودائمة، وتحظى بتأييد واسع.
وهذا يعني دعم إسرائيل لاتخاذ الخطوات الصعبة المبينة أعلاه، من دفن جثث القتلة بشكلٍ مجهول إلى إغلاق السلطة الفلسطينية. وهذا يعني توفير الدعم الدبلوماسي لإسرائيل، مثل التراجع عن مهزلة "اللاجئين الفلسطينيين"، ورفض المطالبة بالقدس عاصمةً لفلسطين. كما أنه يستتبع إنهاء فوائد للفلسطينيين ما لم يعملوا على القبول الكامل والدائم لإسرائيل: لا دبلوماسية، ولا اعتراف بها كدولة ولا مساعدات مالية، ولا أسلحة بالتأكيد، ناهيك عن تدريب الميلشييات.
الدبلوماسية الإسرائيلية-الفلسطينية قاصرة حتى يقبل الفلسطينيون الدولة العبرية. المسائل الرئيسية لاتفاقات أوسلو (الحدود، والمياه، والتسلح، والمقدسات، والمجتمعات اليهودية في الضفة الغربية، و"اللاجئين الفلسطينيين") لا يمكن مناقشتها بشكل مفيد طالما لا يزال أحد الأطراف يرفض الآخر. ولكن يمكن إعادة فتح المفاوضات وتناول قضايا أوسلو بشكلٍ جديد، عندما تأتي اللحظة السعيدة التي يقبل فيها الفلسطينيون الدولة اليهودية. ويكمن ذلك الاحتمال، مع ذلك، في المستقبل البعيد. وفي الوقت الراهن، يتعين على إسرائيل تحقيق الفوز.