في هذا الحوار، يتناول دانييل بايبس، مؤسس ومدير منتدى الشرق الأوسط في واشنطن، عدة ملفات حساسة تتعلق بالخريطة المتحوّلة للمنطقة: من اتفاقيات أبراهام، إلى احتمالات الحرب ضد إيران، وصولًا إلى الاستراتيجية الأمريكية في عهد ترامب، والدور التركي الذي يراه بايبس امتدادًا لطموحات جهادية. ورغم أن أجوبته جاءت مقتضبة، إلا أنها تكشف عن رؤية أمريكية ترى أن "إسرائيل" باتت تتقدم على الجميع في التأثير على دوائر القرار داخل البيت الأبيض.
الأيام نيوز: لو نعود إلى الخلف قليلًا، ما هو المنطق الكامن وراء التطبيع في "اتفاقيات أبراهام"؟
دانييل بايبس: قال وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، في كلمته في حفل التوقيع، إن «هذا الاتفاق سيمكننا من الاستمرار في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتحقيق آماله في إقامة دولة مستقلة داخل منطقة مستقرة ومزدهرة». وركّز رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في خطابه على «بركات السلام التي [نصنعها] اليوم ستكون هائلة». يُقدّم هذان الخطابان هدفين محددين. لكن الهدف الأسمى للتعاون عبر هذه الاتفاقيات لم يُذكر بشكل مباشر: إنه تقييد التأثير الإيراني.
الأيام نيوز: هل يمكن القول إن القتال منذ 7 أكتوبر 2023 أبطل مفاعيل تلك الاتفاقات؟
دانييل بايبس: ما يحصل يُمثّل تحديًا كبيرًا بالتأكيد لهذه الاتفاقيات. لكن لم تنسحب منها أي من الحكومات الخمس، وهو أمر جدير بالملاحظة. والرغبة العامة في تقييد طهران لا تزال قوية كما كانت دائمًا، وربما أكثر من ذلك – ولكن ليس في الخرطوم.
الأيام نيوز: ماذا عن مصر والأردن والسعودية؟ هل تقبلت تراجع نفوذها الإقليمي لصالح "إسرائيل"؟
دانييل بايبس: لا، على الإطلاق. ينبغي عدم التسرّع في طرح السؤال بهذا الشكل. لاحظوا أن جولات ترامب الدولية الأولى ستأخذه إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، وهذا ما يشير إلى أولوية تعامله مع الحلفاء العرب. ومع ذلك، تتمتع مصر والأردن بدرجة أقل من دول الخليج، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن هذين البلدين ليس لديهما الكثير لتقديمه لرئيس ذي عقلية تجارية مثل ترامب.
الأيام نيوز: كيف تُقيّمون إستراتيجية دونالد ترامب تجاه طهران في ولايته الرئاسية الجديدة؟
دانييل بايبس: الرئيس الأمريكي ليس لديه أي إستراتيجية، فقط مشاعر وتقلبات مزاجية. ترامب لديه عقل غير منضبط ويعتقد أيضًا أنه أذكى من أي شخص آخر. والنتيجة هي عدم اتساق السياسة الخارجية. إنه يمقت الجمهورية الإسلامية، لكنه لا يريد إدخال الولايات المتحدة في حرب مباشرة. إنه يدعم التحالف المناهض لطهران، لكنه يؤمن بقدرته العليا على التوصل إلى اتفاق ما.

أيام نيوز: هل تؤدي تصرفات ترامب إلى خفض التصعيد، أم إلى زيادة التوترات، خاصة مع الحوثيين؟
دانييل بايبس: في تحليلي الخاص، من المرجّح أن تتصاعد التوترات – وبشكل حاد – قبل أن تنخفض. ضعف الموقف الإيراني في العام الماضي بسبب ضربات "إسرائيل" لحزب الله والحوثيين، بالإضافة إلى انهيار نظام بشار الأسد وتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية. قد يؤدي ذلك إلى هجوم "إسرائيلي" أو أمريكي، أو عمليات مشتركة لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية. لكن "إسرائيل" لها دور أكثر مركزية في صنع القرار هنا من واشنطن.
الأيام نيوز: ما مدى أهمية تغيير طهران لهجتها في ما يخص التفاوض حول السلاح النووي؟
دانييل بايبس: في الحقيقة، الادعاء الإيراني منذ أمد بعيد بأن المرشد الأعلى خامنئي قد دعا إلى حظر الأسلحة النووية خاطئ بشكل واضح، لذا فإن التغيير الأخير في الخطاب ليس له أهمية تُذكر. إيران تسعى منذ مدة طويلة إلى استكمال برنامجها النووي، وقد مرّت إلى السرعة القصوى لتحقيق ذلك.
الأيام نيوز: أردوغان أكثر قمعًا من أي وقت مضى، ومع ذلك يغضّ الغرب الطرف. لماذا؟
دانييل بايبس: غالبًا ما تتطلب السياسة تنازلات معينة في مراحل ما، ويُقدّم شبه صمت الغرب بشأن الاضطهاد المتزايد في تركيا مثالًا حقيقيًّا على هذا الواقع. في الحقيقة، لا أرى في هذا نفاقًا، بل هو طريق السياسة الدولية في العالم؛ تُدين الحكومات بالأولوية لمصالح مواطنيها، وهو ما يعني في هذه الحالة إبقاء أنقرة في صف الداعمين للحرب الأوكرانية. يتمنى الكثيرون، بمن فيهم محدثكم، ألا يكون الأمر كذلك. ولكن مهما كانت المشاركة الأجنبية، فإن الأتراك فقط، وليس الأجانب، هم من يُهاجمون ديكتاتورية أردوغان.
الأيام نيوز: كيف ترون دور أنقرة الإقليمي في الشرق الأوسط؟
دانييل بايبس: أردوغان لديه فرصة سياسية كبيرة في سوريا. داخل تركيا، يواجه قيودًا مؤسسية تحد من قدرته على تحويل الجمهورية العلمانية إلى دولة إسلامية. ومع ذلك، في سوريا، يمكنه استغلال حالة الفوضى لتحقيق أحد أحلامه، وهي الدفع بالحالة الجهادية. العلاقات مع طهران والرياض تترنح بين مراحل فتور ودفء، وطبعا هذا الصعود والهبوط مرتبط – يجب ألا ننسى – بطموحات تلك القوى الإسلامية المتنافسة على زعامة العالم الإسلامي. أما العلاقات مع "إسرائيل"، فهي فظيعة على المستوى الخطابي والإعلامي، ولكنها أفضل بكثير عندما يتعلق الأمر بالتجارة أو السفر؛ طالما أن أنقرة و"إسرائيل" لا تصطدمان في سوريا، فمن المرجّح أن يستمر هذا التناقض.
