في كتاب "الجهاز السري: الاخوان المسلمون وصناعة الموت" (نيويورك: بومبارديه بوكس، 2022)، تقول سينثيا فرحات أن جماعة الاخوان المسلمين، والتي تأسست منذ حوالي المئة عام، تشكل تهديدا اعظم بكثير مما يُعتقد عادةً، وأنها على أقل تقدير "الحاضنة العالمية للإرهاب الإسلامي الحديث" و-"أخطر جماعة متشددة في العالم." تقول فرحات أن جماعات مصرية شهيرة مثل التكفير والهجرة، والجماعة الإسلامية، وجماعة الجهاد الإسلامي المصرية، كلها تعود اصولها إلى الاخوان المسلمين، وكذلك جماعات أخرى غير مصرية مثل أنصار الشريعة في ليبيا، جماعة التوحيد والجهاد في الأردن، جماعة "طلائع الفتح" ذات فروع في دول عديدة، حماس، طالبان، القاعدة، وداعش. مع كل الذي وصلت إليه جماعة الاخوان من إنجازات، خلصت فرحات إلى أنهم يمثلون "تهديدًا وجوديًا" للولايات المتحدة. وباختصار، تقول فرحات إن أولئك الذين لا تزعجهم جماعة الإخوان المسلمين عليهم أن ينتبهوا على وجه السرعة.
الكاتبة هي مصرية هاجرت منذ عقد من الزمن إلى الولايات المتحدة حيث تكتب في منشورات أمريكية عن الجهاد، وتكتب باستمرار في جريدة مصرية، كما قامت بالشهادة أمام الكونجرس واستَشارتها جهات إنفاذ القانون الأمريكية في مواضيع الإسلاموية والجهاد. قبل هذا وأثناء وجودها في مصر، اشتركت في تأسيس الحزب المصري الليبرالي الذي دعم برنامجه الرأسمالية وفصل الدين عن الدولة والسلام مع إسرائيل. درست التشريع والتاريخ الإسلامي، كما شاركت في كتابة كتاب باللغة العربية بعنوان "تدنيس دين سماوي" تحرير عام 2008. بسبب آرائها قامت جامعة الأزهر بمنع الكتاب، كما مُنِعت فرحات من دخول لبنان وكانت على قائمة اغتيالات جماعة تابعة ل-"القاعدة".
يحتوي كتاب "الجهاز السري" على عدد كبير من الاسماء والتواريخ والاحداث، وحقائق دقيقة أخرى، كلها تدعم قضية الكاتبة. لذا فإنه ليس كتاب للقراءة السريعة، ولكن للدراسة والمراجعة. كثير امن البراهين والدلائل هي أصلية؛ فقد قامت فرحات بالرجوع لأرشيفات ما بعد ثورة 2013 في مصر، او استشهدت بمصادر جديدة مثل مذكرات ثروت الخرباوي. لمساعدة القارئ على تلقي وتقدير الصفحات التالية، سأقوم بشرح الخطوط الرئيسية وإعطاء خواطري بخصوصها.
يحتوي الكتاب على خمسة أجزاء رئيسية: المؤثرات الخلفية، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الخداع، التأثير، والسياسة الأمريكية.
المؤثرات الخلفية
تقول فرحات إن جماعة الاخوان المسلمين، والتي تأسست في 22 مارس 1928، هي مَن بدأت الحركة الإسلاموية الحديثة، وأن "الجهاز السري" كان هو "أول تنظيم إرهابي إسلامي خفي في التاريخ الحديث." وتعود فرحات بأصول الاخوان المسلمين لمصدرين رئيسيين:
(1) إيران والفرع الشيعي للإسلام: فكان ل-"الحشاشين" من القرون الوسطى "التأثير الأكبر على تأسيس الإخوان،" وكان الحشاشون نتاج نظرية "التقريب" القائمة على التقريب وتقليص الاختلاقات الفقهية بين الشيعة والسنة، مما يساعد على تأسيس الخلافة الموحدة وإقامة الجهاد ضد الأعداء المشتركين. ربما كان الإيراني جمال الدين الأفغاني، مؤسس المشروع الجهادي الحديث، "الشخصية الأكثر أهمية في حركة الإحياء الإسلاموية" لأنه جمع بين فكرة المجتمعات السرية الغربية والتبشير الإسلامي السري. بنى مؤسس الإخوان حسن البنا بشكل كبير على هذه الأُسُس لخلق "كيان موازي لحركة الحشاشين في القرن العشرين."
تقول فرحات أخبارا مفاجئة بأن آية الله خامنئي قد قام بزيارة البنا في القاهرة سنة 1938. وترجح أن "البنا هو من استمال خامنئي، لأن تأثير البنا على خامنئي كان واضحا لسنوات لاحقة." في منتصف الستينات، انتهز علي خامنئي فرصة وجوده في السجن الإيراني، لترجمة كتابين رئيسيين من كتب الإخوان، من تأليف سيد قطب، إلى الفارسية. ومع قيام الثورة الإيرانية في 1978-79، كان فرع من فروع الإخوان يتم تأسيسه رسميا في إيران. أيضا في ذلك الوقت، من الواضح أن خامنئي قد اقترح استخدام عبارة رئيسية لدى الإخوان، وهي عبارة "الإسلام هو الحل." أثناء الحرب العراقية الإيرانية، استخدم الإخوان تأثيرهم لمساعدة طهران، وفي المقابل مولت إيران حركة حماس بسخاء. عندما اصبح خامنئي المرشد الأعلى في إيران عام 1989، قام بتضمين كتابيّ البنا اللذين ترجمهما أثناء سجنه في منهج مدارس الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وفي المقابل اعتبره الاخوان أحد أهم الشخصيات ومصادر التعليم لديهم مع شخصيات مثل البنا وقطب وأبو العلاء مودودي. كما أسس الجانبين تحالفا جديدا بعد إسقاط حسني مبارك في 2011، عندما كان الإخوان يؤيدون بشدة البرنامج النووي الإيراني. لهذا التاريخ الطويل تقول فرحات أن "التعاون الإخواني الإيراني أحد أخطر العلاقات وأكثرها تعقيدا في عالم السياسة الدولية، والجهاد، والإرهاب العابر للحدود."
(2) الأفكار والمؤسسات الغربية الحديثة: كانت هناك الكثير من المؤثرات بعينها، منها: الماسونيون (وخاصةً فكرة المنظمات السرية) ومجموعة من الدكتاتوريين، منهم: القيصر "الحاج" فيلهلم الثاني ودعايته للحرب العالمية الأولى (خاصة أفعال ماكس فان اوبنهايم التخريبية)، والنازيين (خاصة بشاعة "كتيبة العاصفة"، او ال-.S.A)، والسوفييت (بالأخص أفكار لينين، ونموذج الشيوعية الدولية المزدوج كحزب شعبي وجهاز سري في الوقت نفسه، و-"المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية" الخاصة بستالين). بالرغم من ان البنا اُعجب بهتلر وأن أعضاء الاخوان "لا يزالون يتبعون نهجه إلى اليوم،" فإن لستالين كان التأثير الأكبر على بنية وأساس الاخوان المسلمين، الذين نقلوا منه افكاره حول أساسات القوة المحلية والدولية، ونموذجه حول الشيوعية الدولية. بالفعل، "قام البنا ببناء تنظيمه طبقا لأساليب حوكمة ستالين، وهذا هو الهيكل التنظيمي الذي يستخدمه الاخوان المسلمين إلى يومنا هذا." لا يمكن للمرء أن يتصور نموذجا أكثر بشاعة.
حسن البنا
بالإضافة إلى تلك المؤثرات، تأتي شخصية مؤسس الاخوان المسلمين، حسن البنا، والتي لا تزال مسيطرة حتى بعد موته بوقت طويل: "رؤيته الإجرامية المتسمة بجنون العظمة والهوس تثبت عبر الكيان، المتقلب كالحرباء، الذي أسسه." على سبيل المثال، فإن قوانين الجماعة تأمر أعضاءها بأن "يبَدّوا مصلحة الجماعة فوق المصلحة الشخصية" كما ترى الجماعة أن أبناء أعضاءها امتداد لطموحاتها. وفي نهاية المطاف، فإن على كل عضو النذر بالطاعة الكاملة للقائد، الذي يطلق عليه لقب المرشد العام. ثم تقوم الرتب الأقل في التنظيم، ويدعون "أمراء"، بالتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الأعضاء بحياتهم الشخصية، مثل الزواج والمرض وضغوطات الحياة لابتزازهم بها والضغط عليهم ورشوتهم إذا لزم الأمر. فمثلا، يجب على نشطاء الجماعة الزواج من داخل الجماعة ومن عائلات ذوي مرتبات مماثلة لعائلاتهم.
وبعيدا عن هذه الأمور الداخلية، فقد شدد البنا على أمرين رئيسيين على فكرتين رئيسيتين على وجه الخصوص، هما الخلافة والموت. "سبب وجود الاخوان المسلمين هو إقامة الخلافة الإسلامية" التي ستطبق الشريعة الاسلامية. لأنه بالنسبة للجماعة، كما هي الحال مع عدد كبير من الإسلامويين، فإن "الحل لكل مشاكلهم، من المشكلات مع الأقارب إلى المشكلات الصحية والسياسة العامة وغيرها، هو عودة الخلافة." ولتحقيق هذا الهدف تستخدم الجماعة كل الأساليب شرعيةً كانت أو إجرامية.
يلمح تعريف البنا الشهير لمبادئ الإخوان المسلمين إلى انشغاله الغريب بالموت: "الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله اسمى امانينا". يشير ذكر "صناعة الموت" في عنوان هذا الكتاب إلى مقال منحرف من تأليف البنا يناقش فيه عظمة الموت من أجل الإسلام:
الموت فن، وأحيانًا فن جميل رغم مرارته، قد يكون حتى أجمل الفنون إذا تم إنشاؤه بأيدي فنان ماهر. قدمه القرآن بشكل مشرِّف لمؤمنيه وأجبرهم على الاعتزاز به وحبه أكثر من حب الآخرين للحياة ... لن ينجو المسلمون من واقعهم إلا إذا تبنوا فلسفة القرآن عن الموت واعتنقوها كفَنّ، فنّ جميل حقًا.
رفع البنا الموت فوق كل شيء آخر. لقد "كان يعتقد أن حب الحياة هو خطيئة مميتة تمنع المسلمين من دخول الجنة. ورأى أن المسلمين لا يمكنهم الذهاب إلى الجنة إلا إذا 'سفكوا دمائهم كضريبة على [حب] الحياة'." ثم تابع تلميذه الرئيسي، قطب، "مبدأ البنا العقائدي القائل بأن جميع المسلمين الذين ليسوا أعضاء في الجماعات الجهادية هم كفار ويستحقون القتل". كما تزداد الأمور سوءًا:
في حين أنه من المعروف على نطاق واسع أن الإخوان المسلمين يؤمنون بإبادة جميع غير المسلمين، فمن غير المعروف أنهم أيضًا يعتبرون جميع الدول الإسلامية دور حرب، وأنّ الغالبية العظمى من المسلمين هم كفار يجب قتلهم.
باختصار، فإن الإخوان المسلمون هم آلة قتل متقنة.
اختلطت تأثيرات الحشاشين وستالين والبنّا معًا، وأنشأت منظمة لخصها تصريح البنا بأن "قوانين وتعاليم الإسلام هي نظام شامل وكامل في حد ذاته باعتباره الحكم النهائي للحياة في هذا العالم وفي الآخرة".
الخداعات الثلاثة
تقدم فرحات ثلاث رؤى رئيسية حول أساليب الإخوان المسلمين لشرح نجاح المؤسسة، وكلها قائمة على الخداع.
الأول يتعلق بالخداع القائم على الثنائية، أي وجود وجه عام لطيف نوعًا ما، وهو الجهاز العام، وأيضا ميليشيا سرية شيطانية، وهو الجهاز السري. لقد انخرطت المنظمة في خطاب مزدوج حول شطريها منذ عام 1951، حيث يعبّر أحدهما بشكل انتهازي عن القيم الديمقراطية الليبرالية، والآخر يعبر عن "خطاب متطرف ومؤيد للإرهاب". في الوقت نفسه، كان من الواضح أن قائد الجهاز السري، المعروف باسم المرشد السري، كان منذ عام 1971 القائد النهائي للإخوان المسلمين. خلال نصف القرن هذا، كان المرشد العام مجرد "شخصية علاقات عامة". وقد اشتملت واجبات العلاقات العامة هذه بشكل مقنع على إدامة "الأسطورة القائلة بأن الجهاز السري لم يعد يعمل" في حين أنه في الواقع يعمل كثيرًا. يعمل كلا القسمان العام والسري على الأساس الذي بدأه البنا وهو الجهاد الدائم، مما يسمح بجميع أنواع الأعمال الإجرامية وغيرها من الأعمال غير القانونية.
يتضمن جزء من هذا الخداع التظاهر بالتخلي عن القوة لصالح السياسة الشرعية: "في كل مرة ينبذ الإخوان المسلمون العنف علنًا، ينخرطون في أنشطة جهادية سرية تحت راية مختلفة." في الواقع، لا يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تتخلى عن قوتها تحت أي ظرف من الظروف: "إذا تخلى الإخوان عن الجهاد العنيف، فإن ذلك سيعني أن قادتهم قاموا بتفكيك التنظيم، لأن الإخوان سيفقدون شرعيتهم وسبب وجودهم الوحيد."
يتعلق الخداع الثاني بتوجيه الجماعة لأعضائها رسميًا بقطع العلاقات معها وإنشاء فروع تبدو وكأن لا علاقة لها بها. الضباط الأحرار "نفذوا انقلاب 1952" الذي أنهى النظام الملكي في مصر. الجماعات السلفية المختلفة في مصر تجعل جماعة الإخوان تبدو وكأنها معتدلة. كما نجحت حماس في ضخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالعنف لدرجة أنها أصبحت "نموذجًا" لفروع الإخوان الأخرى. وكما أشار أنور السادات ذات مرة، فإن الجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين "هما الشيء نفسه." رفعت قمصان، وهو جنرال مصري، يضم مجموعات أخرى إلى القائمة، قائلاً إنه لا ينبغي أن ننخدع بأسماء مثل داعش، نصرة الحق، نصرة الإسلام، حماس، إلخ. كلهم واحد. يمكننا القول أن الإخوان هم الإطار لكل هذه التنظيمات، سواء ما يسمى بالمنظمات السلمية، مثل جماعة التبليغ والدعوة، أو الأكثر عنفًا، مثل القاعدة وتنظيم الجهاد وداعش.
هذا النمط من "منح حقوق امتياز النموذج الإرهابي الإخواني" لآخرين يجعل من الإخوان المسلمين خطرًا أكبر بكثير مما لو كانوا يتصرفون كمنظمة انفرادية، خاصة وأن كل فرع من تلك الفروع يدير جهازه السري الخاص.
الخداع الثالث يتعلق بالتسلل. وحدة الجهاز السري المختصة بالتخابر "تتسلل وتخرب من الداخل الأحزاب السياسية والجيوش ووكالات المخابرات ووسائل الإعلام والأنظمة التعليمية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية وغيرها من الجماعات المؤثرة" بشكل منهجي. وبينما كانت الحكومة المصرية هي الهدف الأساسي لهذه الحملة، فإنها تشمل أيضا مؤسسات أخرى كالمنظمات الخيرية والحزب الشيوعي المصري وجامعة الأزهر.
وبالفعل، فإن لجامعة الأزهر دور فريد في نشر رسالة الإخوان المسلمين، بدءًا من "الشرعية الدينية في إلحاق الأذى بالكفار"؛ فعلى سبيل المثال: "يجوز للمسلم أن يقتل مرتد ويأكله، [وكذلك] يقتل [كافرًا] محاربًا، حتى لو كان طفلاً أو أنثى، ويجوز أكلهم لعدم [منحهم] الحماية." مع مثل هذا التعليم، بالكاد يصدم المرء عندما يعلم أن الجهاديين أحيانًا "يخفون بياناتهم الإرهابية على هيئة دراسات وأطروحات دكتوراه" في الأزهر. نتيجة لذلك، "تلقى بعض الجهاديين الأكثر وحشية في العالم تدريبهم الديني الرسمي" في أحد المساجد والمدارس والمراكز التعليمية والجامعات التابعة للأزهر في جميع أنحاء العالم. يقدم برهان الدين رباني، الذي كان له دور رئيسي في توجيه الإسلاموية في أفغانستان، أحد الأمثلة على ذلك.
تنظر فرحات بالتفصيل في قضية عمر عبد الرحمن المعروف بالشيخ الكفيف. مع أنه معروف في الغرب بقضاء عقود في السجن للتحريض على الجهاد ضد آثار مدينة نيويورك، لكنها تقول إنه كان له دور أكبر بكثير، واصفة إياه بأنه "أكثر علماء الدين تأثيرًا بالجماعات المسلحة السنية على مدى الخمسين عامًا الماضية" وأنه "الأب الروحي للجهاد الاسلامي." وعلى وجه التحديد، كان "المؤسس الإيديولوجي" للجماعة الإسلامية والقاعدة، وقد ذكر كليهما في أطروحة الدكتوراه الخاصة به. كما أفادت بأنه تلقى "دعمًا مؤسسيًا وشرعية دينية مباشرين" من جامعة الأزهر لهذه الأنشطة وأنه "لم يكن ليخلق هذه الموجة الهائلة من الإرهاب العابر للحدود بدون دعم الأزهر." أخيرًا، تعتقد فرحات أن الأزهر كان "متورطًا بشكل مباشر" في تأسيس القاعدة.
حقق ذلك التسلل أرباحًا كبيرة. "عقود من التسلل سمحت لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين النشطين بالسيطرة على قطر وتركيا والسودان، ومصر في وقت سابق. والدول الغربية المتأثرة بشدة بأساليب الإخوان المزعزعة للاستقرار تشمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا." وباختصار، فإن الأزهر "يعسكر طلابه ويحولهم إلى جهاديين" بتمويل من دافعي الضرائب المصريين. وتخلص فرحات إلى أنه لا يجب على الكفار وحدهم أن يخشوا تعاليم الأزهر بل إنها تشكل "خطرًا على كل المسلمين أيضا."
التأثير
جدير بالذكر أن أعمال العنف الجهادية التي قام بها الإخوان المسلمون شملت اغتيال رئيس الوزراء المصري أحمد ماهر باشا عام 1945، ورئيس الوزراء الأسبق محمود فهمي النقراشي عام 1948، والرئيس السادات عام 1981. بالإضافة إلى ذلك، كاد التنظيم أن يغتال أيضًا جمال عبد الناصر عام 1954. كما شارك أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بنشاط في حرق جزء كبير من وسط القاهرة عام 1952.
لكن فرحات ترى أن استخدام جماعة الإخوان المسلمين وسائل مشروعة لتوسيع نفوذها، فيما يدعونه "الجهاد الحضاري"، هو "أكثر ضررًا" من العنف. مصر، موطن الإخوان المسلمين، هي نموذج للجهاد الحضاري. في مصر، كانت جماعة الإخوان المسلمين منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي "لها سيطرة كاملة تقريبًا على جامعة الأزهر،" المؤسسة التي تتخذ من القاهرة مقراً لها وتتمتع بمكانة عالمية بين المسلمين السنة. داخل مصر نفسها، كان موظفو الأزهر يسيطرون فعليًا على الفرع التشريعي للحكومة بحكم قدرتهم على صياغة القوانين أو فحصها قبل عرضها على البرلمان.
كان كل من الرئيسين الأول والثاني لمصر، محمد نجيب وجمال عبد الناصر، من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين السريين (انضم ناصر في عام 1942). قد يكون ناصر "دغلًا شموليًا تبنى أيديولوجيات اليسار المتطرف" لكنه أطلق سراح جميع الجهاديين الإخوانيين من السجون ووظف نازيين ألمان "لتفكيك نظام التعليم المصري وتخريب البلاد ايديولوجيًا." زار ناصر قبر البنا عام 1954 مع خليفته السادات. هناك، تعهد كلاهما بالولاء لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين. أقسم ناصر (ما معناه): "يشهد الله عليّ، أنني سألتزم بقيم [البنا] وأجاهد في سبيلها."
كان السادات عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة، وكذلك خليفته مبارك (الذي انضم عام 1944). تصف فرحات الأخير بأنه شخص "مسلح بجرأة الجهل العميق، وتصلب الفلاحين، وشهوة السلطة." كان تسلل جماعة الإخوان المسلمين إلى الجيش في عصر مبارك كاملًا لدرجة أن عباس مخيمر، اللواء العسكري الذي عينه للإشراف على تطهير الضباط من جماعة الإخوان المسلمين أو الانتماءات الإسلامية الأخرى، كان عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين. أيضا خلال فترة حكم مبارك، "كان التجنيد الإخواني للإرهاب برعاية الدولة، ويبث على مدار الساعة على القمر الصناعي التابع لاتحاد الإذاعة والتلفزيون الحكومي، النايل سات."
من المحتمل أن يكون محمد حسين طنطاوي، الذي نفذ انقلاب 2011 نيابةً عن جماعة الإخوان، عضوًا وكان المجلس العسكري الذي يرأسه إسلامَويًا بشكل علني، إلى حد تمويل جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب السياسية السلفية التابعة لها. بالطبع كان محمد مرسي، الذي حكم مصر في 2012-2013، عضوًا علنيًا، وفي الواقع تم اختياره علنًا من قبل جماعة الإخوان المسلمين للترشح للرئاسة. ومن أهم تعيينات مرسي كان عبد الفتاح السيسي كوزير للدفاع، معتمدا مرسي على حقيقة أن السيسي جاء من عائلة إخوانية، كونه سليل أحد مؤسسي جماعة الإخوان وهو عباس السيسي.
في عهد مرسي تغيرت الأمور بشكل جذري، حيث أصبحت جماعة الإخوان المسلمين "جهادية بشكل علني. أقامت الجماعة خيامًا أو معسكرات للتعذيب والقتل في جميع أنحاء مصر، حيث اختطفوا وعذبوا وقتلوا متظاهرين وأحيانًا مدنيين عشوائيين." والأسوأ من ذلك، أن وضعت الجماعة خططًا لإبادة المصريين جماعيًا، من المسيحيين والمسلمين على السواء، تماشيًا مع عقيدة البنا الأخروية لإبادة السكان المسلمين كتضحية بالدم، وهو ما أسماه بضريبة الدم.
بذلك كانت قد تجاوزت جماعة الإخوان كل الحدود: "أدى التعذيب والقتل العشوائي على نطاق واسع من قِبَل جماعة الإخوان إلى معارضة واسعة لها،" مما حفز أكبر تجمع سياسي في التاريخ في 30 يونيو 2013، تلته مباشرة ثورة برئاسة السيسي الذي تولى السلطة بشعبية هائلة. بعد ذلك، وعلى عكس كل التوقعات تقريبًا، انقلب السيسي على جماعة الإخوان وأصبح أول رئيس مصري مناهض للإخوان المسلمين. عندما رفضت جماعة الإخوان قبول هذا الواقع، وشنت موجة من العنف ضد النظام الجديد، رد السيسي في ديسمبر 2013 بتصنيفها منظمة إرهابية.
إجمالاً، "من 1952 إلى 2012، نتج كل انتقال للسلطة في مصر عن انقلاب قام به ضباط [عسكريون] ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين." الأكثر من ذلك أن في معظم هذه الحقبة، كانوا "القوة الكامنة وراء اتخاذ القرار،" وبالفعل "سيطروا تماما على البلاد." خلال هذا الوقت كان تأثير الإخوان المسلمين في مصر يعني أن معظم المؤسسات الحكومية كانت مجرد "هياكل زخرفية [تهدف] إلى إعطاء البلاد مظهرًا سطحيًا حديثًا" بينما كان الحكم في الواقع للإخوان المسلمين. كذلك تظاهرت جماعة الإخوان المسلمين بمحاربة الحكومة خلال تلك الفترة التي بلغت الستين عامًا فقط بينما كانت في الواقع "معارضة وهمية ترعاها الحكومة" وحتى ذهبت الحكومة إلى حد دعمها من خلال مؤسساتها التجارية.
تتمتع جماعة الإخوان أيضًا بسلطة واسعة خارج مصر. ساعد أمين الحسيني، مفتي القدس، جماعة الإخوان المسلمين على تأسيس نفسها في فلسطين الانتدابية وشرق الأردن. في أفغانستان، لعب الإخوان المسلمون "دورًا محوريًا" في الحرب السوفيتية الأفغانية من خلال مساعدة جهاديين من الشرق الأوسط للوصول إلى أفغانستان. في منتصف تلك الحرب، في عام 1985، أسس ثلاثة من قادة الإخوان المسلمين (عبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري) منظمة تحولت فيما بعد إلى "القاعدة". وكان لشخصيات أخرى من الإخوان المسلمين دور رئيسي في تأسيس حركة طالبان. وفي السودان، استولى عمر البشير على السلطة في عام 1989، مما جعله "أول عضو في جماعة الإخوان المسلمين يحكم بلدا ما بشكل علني ورسمي." في تونس، أطاح انقلاب الإخوان المسلمين بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في عام 2011، ما كان السبب في أنطلاق "الربيع العربي". ومن اللافت للنظر أن فرحات وجدت العديد من المؤشرات التي تشير إلى أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هو المرشد العام والمرشد السري في الوقت نفسه للجهاز الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ورئيسه أيضا. تحت قيادته أصبحت تركيا "مركز القيادة والسيطرة للإرهاب الإسلامي،" بينما أصبحت اسطنبول "ملاذًا لتجنيد الإرهابيين وتهريب الجهاديين من وإلى تركيا والتخطيط لهجمات إرهابية دولية."
مع ازدياد هجرة المسلمين إلى الغرب، ازدادت أيضًا أنشطة الإخوان هناك، معتمدةً كالمعتاد الهيكل المزدوج كمنظمة علنية تدير مدارس ومساجد وامور اخرى تبدو حميدة، وفي الوقت نفسه جهاز سري يؤسس ويمول، ويدير جزئيًا أو كليًا، الجماعات الجهادية العنيفة، ربما يكون الشيخ الكفيف عمر عبد الرحمن أشهر نموذج لذلك الجهاز السري من المنظمة.
السياسة الأمريكية
بالانتقال إلى سياسة الولايات المتحدة، شعرت فرحات بالفزع عندما اكتشفت نجاح خداع الإخوان: "كانت المصطلحات المغطاة عاملاً مساهماً في اختراق الحكومة الأمريكية، وأدت إلى سياسات دعمت الإخوان المسلمين." للمساعدة في حل هذه المشكلة، تقدم فرحات شرحا للاستخدام الإخواني للغة. "الحقيقة" تعني تطبيق الشريعة. "الحرية" تعني التحرر من التعديات على الشريعة. "الاستبداد" هو معارضة الشريعة. "العدل" يعني الشريعة بكل جانب من جوانب الحياة. "السلام" يعني قبول حكم المسلمين. "الإحياء الإسلامي" يعني إخضاع كل الناس على الأرض لله (حسب المعتقد الإسلامي). وخلصت إلى أن هذه المصطلحات الإسلاموية المشفرة، بالإضافة إلى التسلل، "سمحت لأشد الجماعات الجهادية عنفًا في العالم بالحصول على السلطة في أمريكا."
كما وجدت أن واشنطن استبدلت نهجها القديم، "السلام من خلال القوة"، بـ"استراتيجية القرن التاسع عشر الألمانية العثمانية لتوظيف مرتزقة جهاديين لتنفيذ سياسات فاسدة." كان لهذا عواقب وخيمة: فقد ساهمت السياسة الغربية المضللة تجاه الإخوان المسلمين في مقتل مئات الآلاف وتشريد 2.7 مليون شخص على يد نظام الإخوان المسلمين في السودان وحده. علاوة على ذلك، كانت أعمال الشغب والاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء الشرق الأوسط في عام 2011 نتيجة مباشرة لسياسة الولايات المتحدة المتساهلة تجاه جماعة الإخوان المسلمين.
وتقول فرحات إنه خلال العقد الماضي فقط، أدت السياسات الأمريكية الخاطئة "إلى مقتل مئات الآلاف من الأرواح وتشريد ملايين الأشخاص في الشرق الأوسط."
وتقول إن على واشنطن "تجريم جماعة الإخوان المسلمين" من خلال تصنيفها منظمة إرهابية حتى تحمي "أمنها ومن أجل ازدهار الحرية دوليًا." لن يؤدي القيام بذلك إلى توضيح هوية العدو فحسب، بل سيساعد أيضًا في التمييز الجوهري بين المسلمين والإسلامويين: لقد دنس الإخوان المسلمون دينهم من خلال تسليح المصطلحات الدينية وتسميمها بتعريفات عنيفة وإرهابية غريبة على الغالبية العظمى من المسلمين." وينتهي كتاب "الجهاز السري" بهذه الكلمات الواقعية: "إما أن تكون مع الغالبية العظمى من المسلمين، وكل فرد مسالم على وجه الأرض، أو أن تكون مع الإخوان المسلمين."
أكثر من عقدين من البحث حول جماعة الإخوان المسلمين قادت سينثيا فرحات إلى تقدير مرعب لما أنجزته الجماعة، باعتبارها "واحدة من المؤسسات الإجرامية الأكثر تعقيدًا في العالم." يقدم الكتاب الذي كتبته حجةً مقنعةً لرؤية جماعة الإخوان المسلمين ليس فقط كواحدة من العديد من المنظمات الإسلاموية المتنافسة ولكن باعتبارها رائدة تاريخية ومصدرًا للبؤس الذي لا يوصف.
السيد بايبس (DanielPipes ،DanielPipes.org@) هو رئيس منتدى الشرق الأوسط. ويظهر النص أعلاه، بشكل مختلف قليلاً، كمقدمة لكتاب "الجهاز السري".