الفصل السادس من لا تحالف بعد الآن: خلافة أردوغان التركية الجديدة والتهديد الجهادي المتصاعد للغرب (واشنطن: دار نشر مركز السياسة الأمنية، ٢٠١٨)، صفحات 89 إلى 96.
في بيان غير واضح ولكنه مهم، قال هربرت رايموند مكماستر الذي أصبح مستشاراً للأمن القومي في جلسة مغلقة في ديسمبر٢٠١٧ أنّ التهديد الإسلاموي قد تم التعامل معه "بقصر نظر" في الماضي: "لم نهتم بما يكفي بالكيفية التي تتقدم بها [الإيديولوجية الإسلاموية] من خلال الجمعيات الخيرية والمدارس الدينية وغيرها من المنظمات الاجتماعية". وفي معرض حديثه عن الدعم السعودي السابق لمثل هذه المؤسسات، أشار إلى أن هذا الدعم "يتم الآن بشكلٍ أكثر عن طريق قطر وتركيا".وفي التفصيل عن تركيا، أضاف أنّ: " الكثير من الجماعات الإسلامية قد تعلمت من" رئيسها، رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم. وتابع أن الأتراك يقدمون نموذجًا "للعمل من خلال المجتمع المدني ثم قطاع التعليم ثم الشرطة والقضاء ثم الجيش لتعزيز السلطة في أيدي حزب معين، وهو أمر لا نفضل أن نراه ويساهم للأسف في انحراف تركيا عن الغرب ".
أثارت تعليقات ماكماستر الصريحة قدراً كبيراً من الدهشة لاختلافها عن ثرثرة واشنطن المعتادة التي تتذكر بالحنين الحرب الكورية التي تلتها عقود من عضوية مشتركة شبه مقدسة في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). يثير ذكره لانجراف تركيا بعيداً عن الغرب عدة أسئلة: ما مدى حقيقة تحالف الناتو في عام ٢٠١٨ بعد تجاوز الكلمات الزائفة؟ هل يجب أن تبقى تركيا شريكاً في الناتو؟ هل لا يزال للناتو مهمة في عهد ما بعد الاتحاد السوفييتي؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي تلك المهمة؟
حلف الناتو والإسلاموية
لفهم مهمة الناتو، دعونا نرجع إلى وقت تأسيس الحلف في ٤ أبريل ١٩٤٩. لقد أفصحت معاهدة واشنطن التي أسسته عن هدفٍ واضحٍ، هو: "الحفاظ على الحرية والتراث المشترك وحضارة شعوب الدول الأعضاء التي تقوم على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون". بعبارة أخرى، لقد حمي الناتو الحضارة الغربية. في ذلك الوقت، نعم، كان ذلك يعني التحالف ضد الشيوعية، لذلك ركز حلف الناتو على التهديد السوفيتي لمدة ٤٢ سنة. ثم في يومٍ ما من عام ١٩٩١ عندما انهار الاتحاد السوفييتي وتبخَّر حلف وارسو، واجه التحالف أزمة نجاح.
قام وزير خارجية الولايات المتحدة بتوقيع معاهدة واشنطن التي شهدها الرئيس ترومان (الثاني من اليسار). |
تلت ذلك فترة وجوديّة من الاستجواب الذاتي، تطرح مسألة إذا كان على الحلف أن يستمر في الوجود وممن قد يحمي. (وكما اتضح، فقد عادت روسيا في النهاية كمنافس، ولكن هذا ليس موضوعنا هنا.) أكثر الإجابات إقناعاً تبنت أنّه، نعم، يجب أن يستمر حلف الناتو، وأن يحشد الدفاعات ضد التهديد الاستبدادي الكبير الجديد، ألا وهو الإسلاموية. يختلف الفاشيون والشيوعيون والإسلاميون عن بعضهم البعض بطرق عديدة، لكنهم يشتركون في حلم مشترك بالجمهورية الفاضلة الأُصولية وفي تشكيل إنسان خارق يحيا من أجل خدمة حكومته.
لقد صعد العدو الإسلاموي الجديد إلى الصدارة العالمية بمجرد أن هُزِم العدو السابق، مبدداً المفاهيم الوهمية بشكل سريع حول الإجماع الليبرالي أو "نهاية التاريخ". استولى الإسلامويون على السلطة في بنجلاديش عام ١٩٧٧ وفي إيران عام ١٩٧٩. كما مالت الحكومة السعودية بحدة نحو الأُصولية في عام ١٩٧٩. وتسلم الإسلامويون السلطة في السودان عام ١٩٨٩ وفي معظم أفغانستان عام ١٩٩٦.
وانتشرت الهجمات الجهادية على أعضاء الناتو، وخاصةً الولايات المتحدة، خلال هذه الفترة. وفقد حوالي ٨٠٠ أميركي أرواحهم بسبب العنف الإسلاموي قبل ١١ سبتمبر، كما تعرض محاولة تفجير مركز التجارة العالمي عام ١٩٩٣ أفضل رؤية حول طموحات الإسلامويين العليا.
ويلي كلاس (على اليسار) وخوسيه ماريا أثنار. |
أصبح هذا التهديد واضحاً بما فيه الكفاية بحلول عام 1995، حتى أنّ الأمين العام لحلف الناتو ويلي كلاس شبّه الإسلاموية بالعدو التاريخي لمنظمته: "إنّ الأُصولية على الأقل بنفس خطورة الشيوعية." وأضاف أنّه بانتهاء الحرب الباردة "برزت النزعة القتالية الإسلاموية ربما كأخطر تهديد وحيد لحلف الناتو وأمن الغرب." في عام ٢٠٠٤، أشار رئيس الوزراء الأسباني السابق خوسيه ماريا أثنار إلى نقاط مماثلة: "الإرهاب الإسلاموي هو تهديد جديد مشترك ذو طابع عالمي يضع وجود أعضاء حلف الناتو في خطر". ودعا إلى تركيز التحالف على محاربة "الجهاد الإسلاموي وانتشار أسلحة الدمار الشامل". ولم يكن يدعو إلى شئ أقل من "وضع الحرب ضد الجهادية الإسلاموية في قلب إستراتيجية الحلفاء".
لذا منذ بداية حقبة ما بعد السوفييتية، دعا القادة المُتبصرين الحلف إلى التركيز على التهديد الرئيسي الجديد للحضارة الغربية، ألا وهو الإسلاموية.
التهديد الإسلاموي
وفي ذلك الوقت كان يتجسد ذلك التهديد في بلدين: هما أفغانستان وتركيا. كانتا تمثلان، على التوالي، تحديات خارجية وداخلية غير مسبوقة لحلف الناتو.
وتمّ استحضار المادة ٥ من ميثاق منظمة حلف شمال الأطلسي ـ وهو الشرط الحاسم الذي يتطلب "الدفاع الجماعي عن النفس"ـ للمرة الأولى والوحيدة ولم يكن ذلك خلال أزمة الصواريخ الكوبية أو حرب فيتنام، وإنما بعد يوم واحد من هجوم ١١ سبتمبر. وللتأكيد، لم يدفع الشيوعيين السوفييت أو الصينيين أو الكوريين الشماليين أو الفيتناميين أو الكوبيين دولة من الدول الأعضاء إلى اتخاذ هذه الخطوة الهامة إلا القاعدة وطالبان المختبئتين في كهوف دولة هامشية (هي أفغانستان). ذلك لأن الإسلامويين، وليس الشيوعيين، هم من تجرئوا على ضرب مراكز القوة الأمريكية في مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة.
علاوةً على ذلك، فإنّ القاعدة وحركة طالبان ليستا سوى جزء صغير من حركة الجهاد العالمية. إنّ الحشد النووي الإيراني، الذي أصبح له الآن مساراً مشروعاً لصنع القنابل في غضون عقد من الزمان، يمثل المشكلة الوحيدة الأكثر فتكاً، خاصةً عندما يكون أحد العوامل في حكم النظام المروع في طهران مع إمكانية لهجوم النبض الكهرومغناطيسي.
تشكل الهجمات صغيرة النطاق خطرًا أقل ولكنها تحدث باستمرار، من مسجد في مصر إلى جسر في لندن إلى مقهى في سيدني. أثار التمرد الإسلامي الحروب الأهلية (في مالي وليبيا واليمن وسوريا) وحروب شبه أهلية (في نيجيريا والصومال والعراق وأفغانستان). لمدة خمسة أشهر، سيطر فصيل من داعش على مدينة مراوي في الفلبين. تحدث الهجمات الجهادية في الدول غير الأعضاء في حلف الناتو ذات الأغلبية المسلمة والأقليات المسلمة على حد سواء: في الأرجنتين والسويد وروسيا وإسرائيل والهند وميانمار (بورما) وتايلاند والصين.
كما هاجم الجهاديون العديد من الدول الأعضاء في الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وإسبانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا والدنمارك وبلغاريا. وبالإضافة إلى الوهن السياسي والإرهاب، فإن هذه الهجمات أضرت بشدة بالقدرات العسكرية، من خلال الحد من التدريب وتشتيت انتباه ٤٠٪ من القوات العسكرية النشطة عن مهمتها الأساسية والقيام بدلاً من ذلك بأعمال الشرطة - كحماية المعابد والمدارس ومراكز الشرطة.
الجنود يحمون المتحف اليهودي البلجيكي في بروكسل في يناير ٢٠١٥. (© دانيال بايبس) |
ثم هناك تركيا.
تركيا الدكتاتورية والمناهضة للغرب وحلف الناتو
في الأيام الخوالي، أمدَّ حلف الناتو تركيا بالأمن ضد الاتحاد السوفييتي في المقام الأول، وفي المقابل، قدمت تركيا له ضفةً جنوبيةً لا تُقدر بثمن. وتمتلك تركيا ثاني أكبر جيش عسكري في حلف الناتو حتى اليوم، فهي تشكل مع الأمريكان 3.4 مليون جندي من أصل 7.4 مليون جندي، فهما معاً يسهمان بنسبة ٤٦ في المئة من إجمالي الدول الحلفاء التسع والعشرون.
لكن تغير الكثير بالانتصار البرلماني لحزب العدالة والتنمية في نوفمبر ٢٠٠٢. وقد صرَّح أردوغان بعد فترة وجيزة بأن "تركيا ليست دولة يسود فيها الإسلام المعتدل"، وقد عمل على الارتقاء إلى مستوى ذلك الوعد، الذي ترعى حكومته المدارس الإسلامية وتنظم العلاقات بين الذكور والإناث وتمنع الكحول وتبني المساجد وتسعى إلى تربية "جيل ورع" على نطاق أوسع.
لقد استند حكم أردوغان إلى الطبيعة الاستبدادية للإسلاموية: فقد قام بتزوير الانتخابات واعتقال صحافيين معارضين بتهم الإرهاب وإنشاء جيش "سادات" الخاص وقيام شرطته بممارسة التعذيب، كما قام بتمثيل انقلاب عسكري كاذب. وفي النهاية: أعطى الانقلاب المزعوم في يوليو ٢٠١٦ للحكومة فرصة احتجاز و اعتقال و إطلاق النار على أكثر من ٢٠٠٠٠٠ تركي وإغلاق نحو ١٣٠ منفذ إخباري وسجن ٨١ صحفياً. وتصف لجنة حماية الصحفيين تركيا بأنها "أكبر سجن للصحفيين في العالم".
فالكثير لا يلاحظون أنّ حرباً شبه أهلية تحتدم الآن في الجنوب الشرقي لتركيا، حيث يُرضي أردوغان حلفائه الجدد من القوميين الأتراك من خلال محاولة القضاء على التعبير عن اللغة الكردية والثقافة والتطلعات السياسية. ينتشر الخوف وتلوح الشمولية في الأفق.
بدأت مشاكل الناتو المباشرة مع تركيا في ١ مارس ٢٠٠٣، عندما منع البرلمان الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية القوات الأمريكية من الوصول إلى المجال الجوي التركي لشنّ الحرب ضد صدام حسين.
عمدة أنقرة السابق مليح جوكجيك. |
تهدد الحكومة التركية باكتساح أوروبا باللاجئين السوريين. وهي تُعيق علاقات حلف الناتو مع الحلفاء المقربين مثل النمسا وقبرص وإسرائيل. وقد أيدت انعطاف الرأي التركي ضد الغرب، ولا سيما ضد الولايات المتحدة وألمانيا. وكمثال على هذا العداء، قال رئيس بلدية أنقرة، مليح جوكجيك، في حسابه الخاص على تويتر في سبتمبر ٢٠١٧ بأنه كان يدعو بالمزيد من الأضرار الناجمة عن العواصف بعد أن دمر إعصاران رئيسيان هما هارفي وإيرما أجزاءً من الولايات المتحدة.
كما اتخذت أنقرة رهائن ألمان وأميركيين للضغط السياسي. سُجن الصحفي الألماني من الأصول التركية، دينيس يوجل، لمدة عام حتى وافقت الحكومة الألمانية على ترقية دبابات تركيا. وقضى الناشط الألماني في مجال حقوق الإنسان، بيتر شتودنر، عدة أشهر في السجن. ويعتبر القس البروتستانتي، أندرو برونسون، الرهينة الأمريكية الأكثر ظهوراً، ولكن هناك آخرون، من بينهم أستاذ الكيمياء، إسماعيل كول، وأخوه مصطفى، وسيركان غولج، أحد علماء الفيزياء في وكالة ناسا.
ومن الناحية الشخصية، إنني حتى لا أستطيع (كالعديد من المحللين الآخرين لتركيا) المرور العابر في إسطنبول خوفًا من أن يتم القبض علينا والزج بنا في السجن، لكي أكون بمثابة رهينة يتم تبادلها مع بعض المجرمين الأتراك الحقيقيين أو الوهميين الموجودين بالولايات المتحدة. تخيَّل أنّ: تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي أخشى أن يتم اعتقالي فيها فور وصولي، وهي مفترض أن تكون حليفة.
أما الأتراك المنشقون في ألمانيا فإما أنّه تم اغتيالهم أم أنهم يخشون الاغتيالات، مثل الرئيس المشارك لمؤتمر المجتمع الديمقراطي الكردي الأوروبي، يوكسل كوتش. وبالإضافة إلى ذلك، هاجم بلطجية الحكومة التركية أمريكيين في الولايات المتحدة، وعلى الأخص، في معهد بروكينغز عام ٢٠١٦ وفي دائرة شيريدان، خارج السفارة التركية في واشنطن عام ٢٠١٧.
وتتحيز الحكومة التركية إلى طهران بطرق متعددة: فقد ساعدت البرنامج النووي الإيراني وساعدت في تطوير حقول النفط الإيرانية وساعدت في نقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله وانضمت إليها في دعم حماس. وربما زار رئيس الأركان الإيراني أنقرة لتطوير الجهد المشترك ضد الأكراد. وانضمت أنقرة إلى محادثات آستانة مع الحكومات الإيرانية والروسية والتركية لتقرير مصير سوريا.
كما انضم أردوغان إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وبالرغم من أنّ بها شيئاً من الخجل، إلا أنّها أقرب ما يكون إلى نظير صيني روسي لحلف الناتو. وشاركت القوات التركية في تدريبات مشتركة مع الجيوش الصينية والروسية. والأهم من ذلك، أنّ القوات المسلحة التركية تنشر نظام الصواريخ الروسية المضادة للطائرات من طراز إس 400، وهي خطوة لا تتسق على نطاق واسع مع عضوية حلف الناتو.
كما أنّه هناك جيش بحر إيجة. وصرّح يجيت بولوت، أحد كبار مساعدي أردوغان، في فبراير ٢٠١٨ بأن تركيا بحاجة إلى قوة "مُحصّنة بالمقاتلات الروسية والصينية الصنع لأنه في يوم من الأيام [قد تفكر الحكومة الأمريكية] في مهاجمة تركيا". أي أنّه لا يمكن ملاحظة مشاعر الحليف تماماً.
وإذا كان هذا يبدو تآمراً غريباً، فهنالك إمكانية لوجود مواجهة بين الولايات المتحدة وتركيا في مدينة منبج السورية وقت كتابة هذه السطور. وصلت التوترات إلى درجة أن بيان البيت الأبيض أبلغنا بأن الرئيس ترامب "حث تركيا على توخّي الحذر وتجنب أية أعمال قد تزيد من خطر اندلاع النزاع بين القوات التركية والأمريكية".
تركيا تشوه حلف الناتو
وبالإضافة إلى عداء تركيا، فإنّ وجودها في حلف الناتو يشوه التحالف. يجب أن تتركز مهمة حلف الناتو في محاربة الإسلاموية. ولكن إذا كان الإسلاميون بالفعل في نطاق تفكيره، فكيف سيحقق التحالف ذلك؟
خرجت هذه المعضلة إلى العلن في عام ٢٠٠٩، مع انتهاء فترة ولاية الأمين العام جاب دي هوب شيفر في يوليو. ظهر إجماع على أن الأمين العام الجديد يجب أن يكون رئيس الوزراء الدنماركي، أندرس فوغ راسموسن، الذي كان يشغل منصب رئاسة الوزراء منذ عام ٢٠٠٦. أي أنّه كان رئيس وزراء البلاد خلال أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية. عندما قامت حكومات الدول ذات الأغلبية المسلمة، بما فيها الحكومة التركية، بالضغط عليه لاتخاذ إجراءات ضد الرسوم، صرح بشكل تصحيحي جداً: "أنا رئيس وزراء دولة حديثة وحرة، ولا أستطيع أن أُملي على الصحف ما ينبغي وما لا ينبغي نشره، إنّها مسؤوليتهم". حتى أنه رفض الاجتماع بوفد من سفراء الدول ذات الأغلبية المسلمة.
نقل راية حلف الناتو في ٢٠٠٩ من الأمين العام جاب دي هوب شيفر (على اليمين) إلى أندرس فوغ راسموسن. |
لكن بعد ثلاث سنوات، ومع ترشيح راسموسن لمنصب أمين عام منظمة حلف الناتو، كان للحكومة التركية كلمتها. أشار أردوغان الذي صار رئيساً للوزراء إلى أزمة الرسوم الكاريكاتورية: "طلبتُ عقد اجتماع لزعماء إسلاميين في [الدنمارك] لتوضيح ما يجري ولكنه رفض، فكيف يمكن أن يساهم في السلام؟" وتلى ذلك الكثير من المساومات التي انتهت بتسوية: عُيّن راسموسن سكرتيرًا عامًا بشرط أن يُرضِي أردوغان علانيةً، وهو ما فعله حيث قال: "أودُّ أن أتواصل بشكل واضح مع العالم الإسلامي. لضمان التعاون وتكثيف الحوار. إنني أعتبر تركيا حليفًا مهمًا للغاية وشريكًا استراتيجيًا، وسأتعاون معها وسأسعى لضمان أفضل تعاون مع العالم الإسلامي ". وقال بأسلوبٍ بيروقراطي: "لن أقوم بأي شيء يزعج رئيس وزراء تركيا."
ويعبر ذلك بأنه من الواضح أنّ حلف الناتو ليس قويًا في نضاله ضد الإسلاموية، وإنما هو مؤسسة تعثرت من الداخل وغير قادرة على مواجهة أحد تهديدين رئيسيين خوفًا من الإساءة إلى حكومة إحدى الدول الأعضاء. وقد شهدتُ ذلك شخصياً عندما انسحب وفد من الجمعية البرلمانية لحلف الناتو من اجتماع أعدته منظّمتي، تقديراً لأعضائه من الأتراك.
ماذا نفعل؟
لدى حلف الناتو مشكلة وخيار: إما أن يقوم بتجميد عضوية تركيا، كما أؤيد، أو يحتفظ بها كما تملي عليه الغريزة المؤسسية. وحجتي هي أنّ أنقرة تتخذ خطوات معادية لحلف الناتو، أي أنها ليست حليفاً له وتعوق التركيز الضروري على الإسلاموية. باختصار، إن تركيا هي أولى الدول الأعضاء التي تزور معسكر العدو، ومن المرجح أن تظل هناك لفترة طويلة.
أما حجة الإبقاء على تركيا فتتلخص في: أجل، إنّ تركيا في عهد أردوغان متمردة، لكن عضوية حلف الناتو تسمح بقدر من التأثير عليها إلى أن تعود، لأنّها ستعود في النهاية. أو كما صاغ ذلك ستيفن كوك أنّ "تركيا تظل على قدر بالغ من الأهمية حتى ولو لم تكن مفيدة بالقدر الواجب وإنّما بقدر المشكلة التي يمكن أن تتسبب فيها أنقرة عندئذٍ."
أي الحجتين إذاّ تحظى بأولويةٍ أعلى؟ تحرير حلف الناتو لإتمام مهمته؟ أم الحفاظ على نفوذه على أنقرة؟ يتعلق الأمر بمفهوم مدى بقاء تركيا إسلاموية وديكتاتورية واتجاهها نحو وضع المروق. وبالنظر إلى الإجماع الواسع المعاد للغرب في تركيا، فأنا أريد أن يكون حلف الناتو حراً في ممارسة دوره كحلف ناتو.
تكلم المحللون (وأنا من ضمنهم عام ٢٠٠٩) الذين يتفقون مع هذا الاستنتاج في بعض الأحيان عن"الإطاحة بتركيا"، لكن حلف الناتو يفتقر إلى آلية للطرد، حيث لم يتخيل أحد المشكلة الحالية عام ١٩٤٩. وبالرغم من ذلك، هناك العديد من الخطوات المتاحة لتهميش العلاقات مع أنقرة وتقليص دور تركيا في حلف الناتو.
التخلي عن قاعدة إنجرليك الجوية: تُقيد أنقرة الوصول إلى إنجرليك بشكل كبير (مما دفع القوات الألمانية إلى مغادرتها)، كما أنّ القاعدة قريبة بشكل خطير من سوريا، وهي منطقة الحرب الأكثر نشاطًا وخطورة في العالم. وتوجد الكثير من المواقع البديلة، على سبيل المثال، في رومانيا والأردن. وقد بدأت هذه العملية بالفعل وفقاً لبعض الأنباء.
نزع الأسلحة النووية الأمريكية: تستضيف إنجرليك ما يقدر بنحو 50 قنبلة نووية يجب نزعها على الفور. ليس لبقايا الحرب الباردة هذه أي معنى عسكري، وبحسب ما ورد، فإن الطائرات الموجودة في إنجرليك لا تستطيع أن تتزود حتى بهذه الأسلحة. والأسوأ من ذلك أنه من المتصور أن الحكومة المضيفة قد تصادر هذه الأسلحة.
إلغاء مبيعات الأسلحة: ألغى الكونجرس الأمريكي قرارًا اتخذته السلطة التنفيذية في عام 2017، رافضًا عرضًا مقترحًا لبيع الأسلحة الشخصية رداً على أعمال بلطجة الأتراك في واشنطن العاصمة. والأهم من ذلك أنّه يجب حظر بيع طائرات إف 35، وهي الطائرات المقاتلة الأكثر تقدماً في الترسانة الأمريكية.
طائرة إف 35 التي لم تحصل تركيا عليها ولا ينبغي أن تحصل عليها. |
تجاهل المادة ٥ أو طلبات أخرى للمساعدة: يجب ألا يسحب العدوان التركي أعضاء الناتو إلى حرب بسبب الأكراد، وقد أعلنوا ذلك بوضوح. ينخز أردوغان حلف الناتو كرد فعل لمصلحة جمهوره المحلي قائلاً: "أين أنت يا حلف الناتو؟ لقد جئنا تلبيةً للنداءات الموجهة بخصوص أفغانستان والصومال والبلقان، وها أنا الآن أوجه النداء، فلنذهب إلى سوريا. فلماذا لا تُلبِّي النداء؟
إقصاء حلف الناتو عن الجيش التركي: بالتوقف عن تبادل المعلومات وعدم تدريب الأفراد العاملين من الأتراك واستبعاد المشاركة التركية في تطوير الأسلحة.
مساعدة خصوم تركيا: الوقوف إلى جانب أكراد سوريا. ودعم التحالف اليوناني القبرصي الإسرائيلي الآخذ في النمو. والتعاون مع النمسا.
فباختصار لم يثر الشيوعيون المادة ٥ ولم يدخل أي عضو في حلف الناتو في معاهدة وارسو. لقد قامت الإسلاموية، المُتمثلة في القاعدة وأردوغان، بخلط الحقائق القديمة التي لا يمكن الاعتراف بها، مما يتطلب تفكيراً جديداً وإبداعياً. يجب أن يستيقظ حلف الناتو لحل هذه المشاكل.
ترأس دانيال بايبس منتدى الشرق الأوسط منذ عام ١٩٩٤، وهو زميل أقدم في مركز السياسة الأمنية. وبحصوله على درجتي درجة البكالوريوس والدكتوراه من جامعة هارفارد، قام بالتدريس في جامعات شيكاغو وهارفارد وبيبيردين وكلية الحرب البحرية الأمريكية. وقد عمل في ظل خمس إدارات أمريكية وتلقى تعيينين رئاسيين وأدلى بشهادته أمام العديد من لجان الكونجرس. وهو مؤلف لستة عشر كتابًا عن الشرق الأوسط والإسلام وموضوعات أخرى. يكتب د. بايبس عمودًا في صحيفة واشنطن تايمز وقد تُرجمت أعماله إلى ٣٧ لغة. يحتوي موقع DanielPipes.org على أرشيف لكتاباته وظهوره في وسائل الإعلام. © 2018. جميع الحقوق محفوظة.
ينس ستولتنبرغ، الأمين العام الحالي لحلف الناتو. |
تحديث ١٣ مارس ٢٠١٨: تأكيدًا على أسلوب الاسترضاء، قال الأمين العام لحلف الناتو ، ينس ستولتنبرغ، اليوم أنّ تركيا لا تزال "حليفاً ذا قيمة عالية لحلف الناتو" لأنها "تسهم في أمننا الجماعي ومهامنا وعملياتنا بطرق عديدة ومختلفة. وأشكر تركيا على ذلك ". وتابع قائلاً:
أنّ حلف الناتو يُقدم الدعم لتركيا. كما أنّه لدينا مهام وتواجد عسكري في تركيا. ولدينا طائرات أواكس للمراقبة تُحلّق فوق تركيا وتساعدها. لدينا أيضًا بطاريات للدفاع الجوي تسمى SAMP-T مقدمة من إسبانيا وإيطاليا. نحن ممتنون لتركيا لدعمها لحلف الناتو. كما نظهر تضامننا مع تركيا من خلال التواجد العسكري لحلف الناتو في تركيا، والذي تزايد خلال السنوات الماضية ليعكس عدم الاستقرار والتهديدات التي تواجهها تركيا من الجنوب من داعش ومن الإرهاب خاصة في العراق وسوريا.