منذ رواية سلمان رشدي التي نشرت في عام 1989 إلى الاحتجاج المدني الأميركي المُسمى "يوم يرسم الجميع محمدا" في عام 2010، تطور نمط مألوف أو حالة شائعة. ويبدأ هذا الأمر عندما يقول الغربيون أو يفعلون شيئا ينتقد الاسلام، فيستجيب الإسلاميون بالشتائم والغضب، ويطالبون الغربيين بالاعتذار والتراجع، ويهددون برفع الدعاوى القضائية ويهددون بالعنف، بل ويستجيبون بالعنف الفعلي. في المقابل الغربيون يتلعثمون ويترددون ويراوغون وفي نهاية المطاف يتهاوون ويخضعون. على طول الطريق، كان كل خلاف ومجادلة إنما يؤديان إلى المطالبة بحوار يتناول بالأساس قضية حرية الكلام والتعبير.
سوف أناقش نقطتين تتعلقان بهذا النمط أو تسلسل الأحداث. الأولى، أن حق الغربيين في مناقشة وانتقاد الإسلام والمسلمين وحتى في السخرية منهما قد تآكلت على مر السنين. الثانية، أن حرية الكلام والتعبير هي جزء بسيط من المشكلة؛ فهناك شيء أعمق من ذلك بكثير تحت المحك – هو في الواقع، مسألة حاسمة في عصرنا: هل سوف يحافظ الغربيون على الحضارة التاريخية الخاصة بهم في مواجهة هجوم الإسلاميين، أم أنهم سوف يتنازلون وينهزمون أمام الثقافة والشريعة الإسلامية ويخضعون ويقبلون بمواطنة من الدرجة الثانية ؟
ما هي قواعد رشدي
غلاف الكتاب الذي أدى إلى قواعد رشدي |
بدأ عصر الضجة الاسلامية أو بالأحرى الزئير الإسلامي فجأة في 14 فبراير (شباط) 1989، عندما شاهد آية الله روح الله الخميني، المرشد الأعلى في إيران، على شاشة التلفزيون ردود فعل الباكستانيين العنيفة لرواية جديدة لسلمان رشدي، الكاتب الشهير من أصول مسلمة في جنوب آسيا. ويشير عنوان كتابه، آيات شيطانية، إلى القرآن ويشكل تحديا مباشرا للمشاعر الإسلامية؛ ومحتوياته إنما تزيد من تفاقم المشكلة. في ثورة غضبه بسبب ما اعتبره سب وإزدراء للإسلام من قبل رشدي، أصدر الخميني فتوى لها من التاثير المستمر والقائم ما يجعلها جديرة بأن نذكرها ونقتبسها حرفيا:
أعلن لجميع المسلمين الغيورين على دينهم في العالم بأسره أن مؤلف كتاب آيات شيطانية - الذي تمت كتابته وطباعته ونشره من أجل الحرب على الإسلام والنبي والقرآن - وجميع المتورطين في هذا الأمر والذين كانوا على علم بمحتوياته، قد صدر الحكم عليهم بالإعدام.
وأدعو جميع المسلمين المتحمسين والغيورين على دينهم إلى السرعة في تنفيذ هذا الحكم عليهم أينما وجدوا حتى لا يجرؤ أحد آخر على إهانة المقدسات الإسلامية. ومن يُقتل في سبيل ذلك فهو بمشيئة الله من الشهداء.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي شخص لديه علم بكيفية الوصول إلى مؤلف هذا الكتاب ولكن لا يملك القدرة على تنفيذ حكم قتله، عليه أن يبلغ من الناس من يستطيعون عقابه على أفعاله.
هذا المرسوم أو الحكم الذي لم يسبق له مثيل – فلم يدعو رئيس حكومة من قبل إلى تنفيذ حكم الإعدام على روائي يعيش في بلد آخر – جاء من حيث لا يدري أحد وفاجأ الجميع، من مسؤولين حكوميين إيرانيين إلى رشدي نفسه. لم يكن أحد يتصور أن رواية واقعية سحرية، مليئة بأناس يسقطون من السماء وحيوانات تتكلم، قد ينزل عليها سخط وغضب حاكم إيران، وهي بلد لا علاقة ولا صلة كبيرة لرشدي بها.
أدى هذا الحكم أو الأمر إلى اعتداءات مادية على المكتبات في إيطاليا والنرويج والولايات المتحدة وإلى اعتداءات بدنية على من قاموا بترجمة آيات شيطانية في النرويج واليابان وتركيا؛ وفي تركيا لقي المترجم و 36 آخرين حتفهم في هجوم متعمد على فندق أدى إلى حرقة. وأدت أعمال عنف أخرى في البلدان ذات الأغلبية المسلمة إلى أكثر من 20 حالة وفاة، معظمها في جنوب آسيا. وعندما هدأ الغضب، في يونيو 1989، توفي الخميني؛ وأدت وفاته إلى أن يصبح الأمر أو التصريح، الذي يُسمى أحيانا وبشكل غير دقيق فتوى، غير قابل للتغيير.
يتضمن المرسوم أو الحكم أربعة عناصر هامة. الأول، بالإشارة إلى "معارضة الإسلام والنبي، والقرآن والتهجم عليها،" حدد الخميني مجموعة واسعة من الموضوعات المقدسة التي لا يجوز أن تعامل بإزدراء أو قلة احترام وإلا نال من قام بذلك الحكم بعقوبة الإعدام.
ثانيا، من خلال استهداف "كل المتورطين في النشر من الذين كانوا على بينة من محتوياته،" أعلن الخميني الحرب ليس فقط على الفنان أو الروائي ولكن أيضا على البنية التحتية الثقافية كلها - بما في ذلك الآلاف من العاملين في دور النشر والمعلنين وشركات التوزيع والمكتبات.
ثالثا، إعلان الخميني قرار الحكم بإعدام رشدي "حتى لا يجرؤ أحد آخر على إهانة المقدسات الإسلامية،" يُظهر بوضوح أن هدف الخميني ليس فقط معاقبة كاتب واحد ولكن أيضا منع المزيد من حالات السخرية بالإسلام.
وأخيرا، من خلال مطالبة أولئك الذين لا يستطيعون تنفيذ حكم إعدام رشدي "بإطلاع آخرين بمكانه،" دعا الخميني كل مسلم في جميع أنحاء العالم إلى أن يصبح جزءا من شبكة استخبارات غير رسمية مخصصة للحفاظ على المقدسات الإسلامية.
هذه الخصائص الأربعة معا تشكل ما أسميه قواعد رشدي. بعد عقدين من الزمن، ما زالت لا تراوح مكانها.
تأثير قواعد رشدي
أدى المرسوم أو القرار إلى عدة سوابق يُحتذى بها في الغرب. لقد تجاهل زعيم سياسي أجنبي وبنجاح الحدود التقليدية لسلطات الدولة. تدخل زعيم ديني متعمدا، دونما مقاومة أو ثمن، في الشؤون الثقافية الغربية. وأنشأ زعيم مسلم سابقة تتمثل في تطبيق جانب من جوانب الشريعة الإسلامية في بلد أغلبيته الساحقة من غير المسلمين. في هذه النقطة الأخيرة: كانت الدول الغربية، في بعض الأحيان، تعمل بفاعلية تحت إمرة الخميني. أصدرت حكومة النمسا حكما بالسجن مع وقف التنفيذ على شخص تحدى قواعد رشدي، في حين وجهت حكومتا فرنسا وأستراليا تهما قد تؤدي إلى عقوبة السجن. الأكثر لفتا للنظر هو قيام السلطات في كندا وبريطانيا وهولندا وفنلندا وإسرائيل بالسجن الفعلي لمن تعدوا على قواعد رشدي. يصعب تذكر الأيام الجميلة والسعيدة قبل عام 1989، عندما كان الغربيون يتكلمون ويكتبون بحرية عن الإسلام والقضايا ذات الصلة به.
لقد كان لقواعد رشدي تأثير فوري على المسلمين الذين يعيشون في الغرب، حيث تولد عن غضبهم، وما أدى إليه من شتائم وعنف، إحساس جديد بالقوة والسلطة. من السويد إلى نيوزيلندا، استجاب الإسلاميون بفرح وفخر بعد قرون من العيش في موقف الدفاع عن النفس والوجود، أصبح للمسلمين صوتا، ومن عقر دار الغرب صار بإمكانهم تحدي الغرب. وكانت معظم أعمال العنف التي تلت أو أعقبت ذلك من النوع العشوائي، على غرار الحادي عشر من سبتمبر، وبالي، ومدريد، وبيسلان، ولندن، حيث قتل الجهاديون كل من صادف وجوده في طريقهم؛ ويوثق موقع TheReligionOfPeace.com حدوث خمس هجمات إرهابية إسلامية عشوائية في المتوسط يوميا في جميع أنحاء العالم.
والعنف الذي يستهدف أولئك الذين يتحدون قواعد رشدي هو الأكثر تأثيرا وإن كان الأقل شيوعا. دعونا نقصر أمثلة هذه الظاهرة على بلد واحد، الدنمارك. في أكتوبر 2004، تعرض مدرس في معهد كارستن نيبوهر بجامعة كوبنهاغن إلى الركل والضرب من قبل العديد من الغرباء أثناء خروجه من الجامعة. وأبلغه الغرباء أنه كان قد قرأ بعضا من القرآن الكريم، وهو أمر لا يحق له القيام به لأنه كافر. في أكتوبر 2005، تعرض رئيس تحرير صحيفة يولاندس بوستن، فليمينغ روز للتهديد لأنه قام بتكليف رسامي الكاريكاتور بإعداد رسوم كاريكاتورية تصور محمد. اضطر اثنان من رسامي الكاريكاتور إلى الاختباء. أحدهما وهو كورت فيسترجارد، وفي وقت لاحق، نجا في آخر لحظة من الاعتداء الجسدي عليه داخل بيته. في مارس 2006، تعرض ناصر خضر، وهو سياسي مناهض للإسلاميين، للتهديد من قبل الإسلاميين الذين حذروا من أنه إذا أصبح خضر وزيرا في الحكومة، فإن وزارته سوف يتم تفجيرها.
التجربة الدنماركية هي النموذج. وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، "في جميع أنحاء أوروبا الآن، هناك العشرات من الناس يضطرون للاختباء أو هم تحت حماية الشرطة بسبب تهديدات المسلمين المتطرفين." حتى البابا بنديكتوس السادس عشر تلقى سلسلة من التهديدات في أعقاب اقتباسه ما قاله إمبراطور بيزنطي عن الإسلام. في هولندا وحدها، وفي عام واحد فقط، أفاد 121 سياسيا عن تعرضهم لتهديدات بالقتل. إن جريمة قتل ثيو فان جوخ، التحرري ومخرج الأفلام ومضيف برامج الحوار والكاتب الصحفي العمودي وصانع المتاعب والمشاكل المعروف والذي سخر من الإسلام، في أحد شوارع أمستردام في نوفمبر 2004، كانت صدمة لبلاده أدت إلى حالة من الغضب وإن استمرت لوقت قصير.
الأهداف الثلاثة لقواعد رشدي
يرى الغربيون بصورة عامة في هذا العنف تحديا لحقهم في التعبير عن الذات أو النفس. ولكن وإن كانت حرية التعبير هي ساحة المعركة، فإن الحرب الكبرى إنما تتعلق بالمبادئ الأساسية للحضارة الغربية. إن هذا النمط المتكرر للضجة والاحتجاح الاسلامي إنما يعمل من أجل تحقيق ثلاثة أهداف – لا تكن حاضرة معا دائما- تتجاوز تماما مسألة حظر وتحريم انتقاد الإسلام.
يتمثل الهدف الأول في إنشاء مكانه خاصة عالية للإسلام تعلو على مكانة ما سواه. ما طالب أو أمر به الخميني بخصوص الثالوث المقدس "الإسلام والنبي والقرآن" إنما يعني منح امتيازات خاصة لدين واحد، ترفعه وتنأى به بعيدا عن هرج ومرج أوحيوية واندفاعية سوق الأفكار. ينتفع الإسلام من قواعد فريدة لا تتاح لغيره من أديان. بينما يُمكن السخرية من شخصية يسوع رغم تقديس المسيحيين له كما هو الحال في الفيلم الكوميدي حياة براين وهو من تأليف مونتي بايثون، أو في مسرحية كوربوس كريستي من أعمال تيرانس ماكنالي، ولكن، وكما جاء في عنوان كتاب، "كن حذرا مع محمد!"
يقودنا الهدف الأول إلى الهدف الثاني مباشرة – وهو سيادة المسلمين ودونية الغرب. بشكل روتيني يقول الاسلاميون ويفعلون أشياء تنطوي على اعتداء وتهجم على الغربيين بقدر أكبر مما يفعله الغربيون إزاء المسلمين. وهم يحتقرون علنا الثقافة الغربية. على حد تعبير إسلامي جزائري، انها ليست حضارة (civilization) وإنما "syphilization". وتنشر وسائل إعلامهم الرئيسية رسوما كاريكاتورية أكثر غلظة وفظاظة ودناءة وعنفا من أي شيء قام فليمنغ روز بتكليف رسامي الكاريكاتور بإعداده. إنهم يهينون اليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية بكل حرية. إنهم يقتلون اليهود فقط لكونهم يهود، مثل دانيال بيرل في باكستان، وسيباستيان سيلام وإيلان حليمي في فرنسا، وباميلا فاشتر وارييل سيلوك في الولايات المتحدة. سواء بسبب الخوف أو عدم اليقظة، خضع الغربيون وقبلوا بوجود خلل في العلاقة بالمسلمين، حيث يمكن للمسلمين أن يسيئوا ويعتدوا على الآخرين بينما هم أنفسهم بمنأى عن أي من هذه الإهانات أو الاعتداءات.
إذا قبل الغربيون بهذا الخلل، نشأ ما يسمى بحالة أو وضع الذمي. ويسمح هذا المفهوم الإسلامي "لأهل الكتاب" الموحدين لله مثل المسيحيين واليهود بالاستمرار في ممارسة شعائرهم الدينية تحت حكم المسلمين، ولكن مع الخضوع لقيود كثيرة. لفترة تاريخية، كان وضع الذمي يمنح مزايا بعينها (حتى وقت قريب مثل عام 1945، كان اليهود بصفة عامة يتمتعون بحياة أفضل في العالم الإسلامي بالمقارنة مع العالم المسيحي)، إلا أن الغرض والمغزى من هذا الوضع كان إهانة وإذلال غير المسلمين والتباهي بتفوق المسلمين. كان على أهل الذمة دفع ضرائب إضافية، وقد لا يسمح لهم بالانضمام إلى الجيش أو العمل بالحكومة، ولا يتمتعون بكافة الحقوق القانونية. في بعض الأزمان والبلدان، كان يحق للذمي الركوب على ظهر حمار ولكن ليس على ظهر حصان، وكان عليه ارتداء ملابس مميزة، وكان على الذمي كبير السن أن يقفز ويخلي الطريق للطفل مسلم. وقد تم مؤخرا تطبيق عناصر من وضع الذمي في بلدان وأماكن متعددة مثل قطاع غزة والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان وماليزيا والفلبين. بشكل واضح، ترنوا أنظارهم أيضا إلى لندنستان وما بعدها من بلدان.
بدوره، فإن إحياء حالة ووضع الذمي هو خطوة نحو هدف وطموح الاسلاميين الثالث والنهائي، تطبيق الشريعة الإسلامية بالكامل. إغلاق الطريق أمام مناقشة الإسلام إنما يمهد الطريق لتحقيق هذا الهدف. على العكس من ذلك، الإبقاء على حرية التعبير والكلام عن الإسلام إنما يمثل الدفاع الأساسي والحاسم ضد فرض النظام الإسلامي. إن الحفاظ على حضارتنا يتطلب مناقشة مفتوحة للإسلام.
تنظم الشريعة كل من الحياة الخاصة والعامة. ويشمل بعد الحياة الخاصة الأمور الشخصية البحتة مثل النظافة البدنية، والحياة الجنسية، والإنجاب، والعلاقات الأسرية، والملابس، والنظام الغذائي. في المجال العام، تنظم الشريعة الإسلامية العلاقات الاجتماعية، والمعاملات التجارية، والعقوبات الجنائية، ووضع المرأة والأقليات، والرق، وهوية الحاكم، والسلطة القضائية، والضرائب، والحرب. باختصار، يتضمن القانون الإسلامي كل شيء من آداب المرحاض حتى إدارة وقيادة الحرب.
إلا أن الشريعة تتعارض مع أعمق وأخص مسلمات ومباديء وبديهيات الحضارة الغربية. عدم تكافؤ الذكر والأنثى، والمسلم والكافر، والمالك والعبد لا يمكن التوفيق بينها والمساواة في الحقوق. نظام الحريم لا يمكن التوفيق بينه وبين نظام الزوجة الواحدة. السيادة الإسلامية إنما تتعارض مع حرية الدين. ومبدأ الحاكمية لله لا يمكن أن يسمح بالديمقراطية.
يتفق جميع الإسلاميين على هدف تطبيق الشريعة الإسلامية على العالم بأسره. لكنهم يختلفون حول طريقة تحقيق ذلك: بالعنف (وهو ما يفضله بن لادن)، أو بالحكم الشمولي (الخميني)، أو عن طريق اللعب والاستغلال السياسي للنظام والحضارة الغربية (المفكر السويسري طارق رمضان). على أية حال، إن تمكن الإسلاميون من إقامة وتطبيق نظام الشريعة، فهم بذلك يضعون الحضارة الإسلامية محل الحضارة الغربية. في مصطلحات ومفاهيم أمريكية، السماح للقرآن بالتفوق والانتصار على الدستور إنما يضع نهاية للولايات المتحدة التي كانت قائمة لأكثر من قرنين من الزمان.
تطبيق الشريعة
يود مجلس مسلمي بريطانيا تغيير المدارس في المملكة المتحدة |
بعبارة أخرى، قبول قواعد رشدي والخضوع لها إنما يتضمن عملية تبلغ ذروتها مع التطبيق الكامل للشريعة. لو تمكن الخميني من متابعة نهجه، لما استطاع أحد ممن يقدرون الحضارة الغربية أن يجادل ضد الشريعة الإسلامية. ولفهم عواقب إغلاق النقاش والجدال حول الإسلام، ننصح بقراءة ما يبدو أنه تقرير لطيف وحميد نشره مجلس مسلمي بريطانيا، وهو مؤسسة إسلامية رائدة في المملكة المتحدة، عام 2007. بعنوان "نحو تفاهم أكبر"، ينصح هذا التقرير السلطات البريطانية بشأن كيفية التعامل مع الطلاب المسلمين في المدارس التي يمولها دافعو الضرائب.
يسعى مجلس مسلمي بريطانيا إلى خلق بيئة في المدارس لا تؤدي بأطفال المسلمين إل التفكير في "افتراضات غير لائقة وغير مناسبة" مضمونها أنهم "لكي يتقدموا في المجتمع سوف يكون عليهم تقديم تنازلات أو التخلى عن جوانب من هويتهم، ومعتقداتهم وقيمهم الدينية." ولتحقيق هذه الغاية، يقترح مجلس مسلمي بريطانيا قائمة، تثير ولا شك الدهشة، من التغييرات التي من شأنها أن تحدث تغييرا جوهريا في طبيعة المدارس البريطانية، بل وتحولها، في الواقع، إلى مؤسسات على الطريقة السعودية. فيما يلي بعض من اقتراحات المجلس:
- الصلاة: توفير (1) المزيد من "علب أو زجاجات الماء" للوضوء (2) مرافق أو غرف للصلاة، تفضل أن تكون وحدات منفصلة للبنين والبنات. يجب على المدارس أيضا أن توفر "زائر خارجي مناسب، أو مدرس أو طالب أكبر سنا" لإمامة صلاة الجماعة يوم الجمعة وإلقاء خطبة الجمعة.
- مراحيض: توفير مياه في صورة علب أو زجاجات ماء بغرض التطهر من النجاسة.
- العادات الاجتماعية: عدم ممارسة أي ضغط من أجل مصافحة الأشخاص من الجنس الآخر، سواء كانوا طلابا أو معلمين.
- الجدول أو التقويم الدراسي: أيام عطلة للجميع في عيدي المسلمين الكبيرين، عيد الفطر وعيد الحج.
- احتفالات الأعياد والمناسبات والعطلات: إشراك الطلاب غير المسلمين وأولياء أمورهم في طقوس الأعياد والمناسبات الإسلامية. خلال شهر رمضان، على سبيل المثال، ينبغي أن يحتفل جميع الأطفال، وليس فقط المسلمين، "بروح وقيم شهر رمضان من خلال العبادة الجماعية أو مناقشة موضوعات تهم الجميع والإفطار الجماعي."
- رمضان: (1) لا اختبارات خلال هذا الشهر، "لأن الجمع بين التحضير للاختبارات والصيام ربما يكون صعبا على بعض التلاميذ" (2) لا يصح أن تكون هناك حصص دراسية تتناول تعليم الجنس أو الثقافة الجنسية، وينبغي احترام القيود على التعبير الجنسي خلال ذلك الشهر.
- الغذاء: توفير وجبات الطعام الحلال. السماح للطلاب بتناول الطعام بأيديهم اليمنى.
- الملابس: الموافقة على ارتداء غطاء الرأس وحتى ارتداء الحجاب (الثوب الخارجي الطويل الذي يصل إلى الكاحلين). في حمامات السباحة، يجب على أطفال المسلمين ارتداء ملابس سباحة محتشمة (على سبيل المثال، بالنسبة للفتيات، مايوه يغطى كامل الجسم، الجذع والأرجل). يجب أن يسمح بارتداء الحلي التي تحمل رموزا إسلامية.
- اللحي: حق للطلاب الذكور.
- الرياضة: الفصل بين الجنسين عندما يكون هناك اتصال أو احتكاك جسدي بين اللاعبين، كما هو الحال في كرة السلة وكرة القدم، أو عندما تتعرى الأبدان، كما هو الحال في السباحة.
- غرف الدش والاستحمام: لابد من أكشاك منفصلة، كي نحمي حياء وكرامة المسلمين من رؤية الأجساد العارية أو من أن يرى الآخرون أجسادهم عارية.
- الموسيقا: يجب أن تقتصر على "صوت إنساني وآلات نقر إيقاعية (وغير قابلة للتقسيم أو التنغيم) مثل الطبول"
- الرقص: مستبعد ومحظور، ما لم يتم في بيئة من جنس واحد وبألا "ينطوي على دلالات ومعان جنسية."
- تدريب المعلمين والإداريين: يتعين على الموظفين تلقي "تدريب يهدف الوعي" بالإسلام حتى تصبح المدارس "أفضل علما ووعيا وأكثر وأدق تقديرا واحتراما لاحتياجات التلاميذ المسلمين بها".
- الفن: إعفاء التلاميذ المسلمين من عمل أو إنتاج "الصور الفنية الرمزية ثلاثية الأبعاد للإنسان."
- التعليم الديني: حظر وتحريم صور أي من الأنبياء (بما في ذلك يسوع).
- لغة التعليم: ينبغي أن تكون اللغة العربية متاحة لجميع الطلبة المسلمين.
- الحضارة الإسلامية: (1) دراسة إسهامات المسلمين في أوروبا وذلك في حصص ودروس التاريخ، والفن، والرياضيات، والعلوم (2) التأكيد على الجوانب المشتركة في التراث الأوروبي والإسلامي.
إحدى الاستجابات لكتيب مجلس مسلمي بريطانيا. |
إن فرض قواعد رشدي، سواء بطريقة صريحة أو ضمنية، يجعل من المستحيل انتقاد برنامج مثل برنامج مجلس مسلمي بريطانيا، فلم أكن لاستطيع كتابة هذا المقال، ولن تكن الكومينتاري قادرة على نشره، وأنت لن تكن قادرا على قراءته.
إن تعديل أو إصلاح المدارس ما هو إلا مجرد واحد من عدد لا يحصى من التغييرات المخطط لها. خطوة خطوة، قطعة قطعة، يود الإسلاميون الانتصار على مسلمات ومبادئ وبديهيات الحياة الغربية وإخضاعها عن طريق غرس أو ضخ منظومة إسلامية بديلة في قطاعات الحياة الغربية من تعليم وحياة ثقافية ومؤسسات، بحيث مع الوقت تتفوق المنظومة الإسلامية على المؤسسات العلمانية وتهيمن وتطغى عليها، حتى يأتي النظام والحكم الإسلامي من الناحية العملية إلى حيز الوجود. لقد تمت بالفعل بعض التغييرات وهي تمتد إلى جوانب كثيرة من الحياة. ما يلي أمثلة قليلة لاذعة:
تعدد الزوجات أصبح قانونيا في ظل ظروف معينة في المملكة المتحدة، وهولندا، وبلجيكا، وإيطاليا، وأستراليا، ومقاطعة أونتاريو الكندية. هناك دورات تدريب على السباحة للنساء المسلمات فقط تتم في في برك السباحة التابعة للبلديات بولاية واشنطن. وهناك فصول دراسية للنساء فقط في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، وهي جامعة مدعومة من دافعي الضرائب. يمكن للنساء، في ثلاث ولايات أمريكية، أن تكون صور رخصة السياقة قد تم التقاطها بينما هن يرتدين الحجاب. النساء اللاتي تعملن في ايكيا أو بشرطة لندن مسموح لهن بارتداء حجاب عليه العلامة التجارية الخاصة بجهة العمل أو شعارها والذي يقوم أصحاب العمل بتوفيره.
يوفر ايكيا، متجر المفروشات، حجاب مرسوم عليه العلامة التجارية له للموظفات في بريطانيا العظمى |
تم حظر الحصالة الخنزيرية كرمز للتوفير في إثنين من البنوك البريطانية الكبرى. "أي شيئ يحتوي على مواد دينية تتعارض مع العقيدة الإسلامية" قد لا يتم إرسالها عبر النظام البريدي للولايات المتحدة إلى الجنود الذين يخدمون في الشرق الأوسط. قد لا يأكل العاملون في المجال الطبي أو يشربون في وجود مرضى أو زملاء مسلمين خلال شهر رمضان في مستشفى اسكتلندي. باعت مدينة بوسطن قطعة أرض عامة بسعر مخفض لبناء مؤسسة إسلامية.
هذه الخطوات، كبيرها وصغيرها، نحو الأسلمة إنما تقوض القيم والأعراف الغربية. هي أمور غير مقبولة: يحق للمسلمين التمتع بالمساواة في الحقوق والمسؤوليات ولكن لا يحق لهم التمتع بامتيازات خاصة. ينبغي على المسلمين التواؤوم والتوافق والانسجام مع النظام القائم، ولا يحق لهم إعادة تشكيل المجتمعات الغربية في قالب إسلامي. زيادة الحرية هي موضع ترحيب، النكوص والعودة إلى قواعد ومعاييرالشريعة الإسلامية التي تنتمي للقرون الوسطى ليست موضع ترحيب على الإطلاق.
تغييرات منذ عام 1989
بناء على تأمل ما حدث في الماضي، تميزت ردود المثقفين والسياسيين، خاصة اليساريين، على حكم الخميني بقتل رشدي في عام 1989 بدعم الروائي المعرض للخطر. كان المثقفون اليساريون أكثر مساندة له (سوزان سونتاغ: "سلامتنا كأمة تتعرض للخطر بنفس القدر عندما يتعرض كاتب للاعتداء أو عندما تتعرض ناقلة نفط للهجوم") من اليمينيين (باتريك بوكانان: "ينبغي علينا أن نقذف روايته الصغيرة المسيئة بعيدا في العراء البارد"). ولكن الزمن قد تغير: نشربول بيرمان مؤخرا كتابا، فرار المثقفين، يشجب فيه وبقوة زملائه ورفاقه الليبراليين "للتخبط الشديد في جهودهم من أجل التصدي للأفكار والعنف الإسلامي."
في ذلك الوقت، وصف فرانسوا ميتران، الرئيس الاشتراكي في فرنسا، تهديد رشدي "بالشر المطلق". وسعى حزب الخضر في ألمانيا إلى إلغاء جميع الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران. وأيد هانز ديتريش غينشر، وزير الخارجية الألماني، قرار الإتحاد الأوروبي بدعم رشدي واصفا القرار بأنه "إشارة وعلامة على ضمان الحفاظ على الحضارة والقيم الإنسانية". أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع قرارا يعلن التزامه "بحماية حق أي شخص في أن يكتب وينشر ويبيع ويشتري ويقرأ الكتب دون خوف من الترهيب والعنف"، وأدان تهديد الخميني واصفا إياه "بإرهاب الدولة". هذه الاستجابات الحكومية غير مطروحة في عام 2010.
في كل ممارسة لحرية التعبير والكلام منذ عام 1989، مثل الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية لمحمد أو الدراسات الحرة للإسلام التي لا تخضع لأي حدود أو قيود وتنشرها بروميثيوس للكتب، نجد جحافل لا تحصى من الكتاب والناشرين والرسامين تبتعد عن التعبير عن نفسها. مثلان: في انتاجها النسخة السينمائية لرواية توم كلانسي كل المخاوف معا، استبدلت شركة بارامونت بيكتشرز النازيين الجدد الأوربيين ليحلوا محل الإرهابيين الذين هم على شاكلة إرهابي حماس. ونشرت مطبعة جامعة ييل كتابا عن أزمة الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية دون السماح بإعادة نشر الرسوم في الكتاب.
منطق أولئك الذين يستسلمون لا يتغير بقدر ما هو كئيب: "واستند هذا القرار فقط على الحرص على السلامة العامة؛" "سلامة وأمن عملائنا وموظفينا هما على رأس الأولويات؛" "أشعر بالخوف الحقيقي من أن شخص ما سوف يقص رقبتي؛" "إن قلت ما أعتقده في الواقع عن الإسلام، فما كنت لأبقى في هذا العالم لفترة طويلة؛" "وإذا صارت الأمور بهذا السوء، فكأنني أكتب قرار حكم الإعدام لنفسي."
تنشأ التغييرات منذ عام 1989 أساسا عن نمو ثلاثة مذاهب أو اتجاهات: التعددية الثقافية، الفاشية اليسارية، والإسلامية. فالتعددية الثقافية لا ترى أن طريقة حياة أو منظومة معتقدات أو فلسفة سياسية بعينها هي أفضل أو أسوأ من غيرها. مثلما الحال مع الطعام الايطالي والطعام الياباني، كلاهما لذيذ ويملأ البطن، يقدم لنا مذهب حماية البيئة أو ويكا (حركة دينية جديدة- المترجم) بديلا صالحا ومكافئا للحضارة المسيحية-اليهودية. لماذا يناضل ويكافح المرء من أجل طريقة بعينها في الحياة عندما لا تدعي هذه الطريقة أنها تتفوق على غيرها؟
ولكن ربما أن هناك طريقة أو أسلوب حياة هو أسوأ من غيره: إذا كانت الإمبريالية الغربية والعرق الأبيض قد أفسدا العالم، فمن ذا الذي يريد الحضارة الغربية؟ هناك حركة كبيرة من الفاشيين اليساريين، يقودها هوغو شافيز، ترى في القوى الغربية، التي يسمونها "الإمبراطورية"، التهديد الرئيسي للعالم، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل هما المجرمان أو العدوان الرئيسان.
ولقد نمت الحركة الإسلامية بشكل مذهل منذ عام 1989، لتصبح أقوى صورة من صور الطوباوية المتطرفة، وتشكل تحالفا مع اليسار، وتسيطر على المجتمعات المدنية، وتشكل تحديا للعديد من الحكومات وتستولي على البعض الآخر، وتقيم رأس جسر في الغرب، وبذكاء تفرض جدول أعمالها وأهدافها على المؤسسات الدولية .
باختصار لقد اجتمع الضعف الغربي مع الإصرار الإسلامي. ينبغي ألا يكتفي المدافعون عن الحضارة الغربية بقتال الإسلاميين فقط بل ينبغي عليهم أيضا قتال دعاة التعددية الثقافية الذين يمكنون الإسلاميين واليساريين الذين يتحالفون معهم.
تحديث بتاريخ 5 مارس، 2015: أصدر معهد تنمية المجتمع الإسلامي مؤخرا مسودة بيان إسلامي من 33 نقطة وهو يمثابة وثيقة ثانية تكشف وتحدد الطموحات الإسلامية في بريطانيا العظمى. فيما يلي عينة من مطالب الوثيقة التي تتقدم بها للبرلمان بغرض الحصول على معاملة خاصة:
دعم الجهود الرامية إلى الدقة في تذكر وذكر تاريخ المسلمين وغير المسلمين بما في ذلك الإجراءات القمعية والإبادة الجماعية ضد الشعوب المسلمة على يد الشعوب البريطانية والأوروبية.
الاحتفاء بالتراث الإسلامي والمؤسسات الثقافية الإسلامية ودعم كل منها.
خفض الفقر وبدرجة ملحوظة في المجتمعات الإسلامية.
خفض البطالة التي تزيد عن المتوسط في المجتمعات الإسلامية.
عكس أو قلب الارتفاع في تجريم الشباب المسلم.
تحسين الصحة والرفاهية بشكل ملحوظ في المجتمعات الإسلامية.
توفير ضمانات ودليل على أن التمويل الأجنبي لا يسبب/ ولا يعزز التطرف العنيف في المملكة المتحدة.
إدخال تشريعات أكثر صرامة للحد من حملات الكراهية الإعلامية ضد المسلمين.
ضمان إعطاء المجتمع المسلم الفرصة للتطور بشكل مستقل عن برامج الهندسة الاجتماعية الحكومية.
الإقرار بأن الكتاب المقدس للمسلمين (القرآن) لا يؤيد الإرهاب وقتل الأبرياء.
الاعتراف بإسهامات المسلمين في المعرفة والحضارة بما في ذلك الحضارة الأوروبية والاحتفاء بها.
دعم جميع التدابير المعقولة حتى لا ينظر للمسلمين بعين الريبة ومن خلال منظور أمني.
تقديم مناهج دراسية أكثر شمولية وذات صلة في المدارس ذات النسبة عالية من التلاميذ المسلمين.
دعم تنمية أكبر للفنون الإسلامية وللقطاع الثقافي الإسلامي من أجل إعداد المزيد من قادة وقدوة الثقافة الإسلامية العامة.
فتح الطريق للمسلمين للوصول إلى عمليات صنع القرار في الأجهزة الأمنية.
الاعتراف بأن للمسلمين "أسلوب حياة" (دين) متميزة تعارض أي فهم للدين أو العقيدة بوصفهما منفصلان عن جوانب الحياة الأخرى.
إبراز وتعزيز مساهمة مسلمي الشتات (أي المهاجرين) في الاقتصاد البريطاني.
معارضة كل استغلال غير عادل للموارد التي تمتلكها البلدان الإسلامية وغير الإسلامية.