سوف تتطور علاقات أوروبا طويلة الامد مع الأقليات المسلمة المتنامية داخلها - وهي القضية الأكثر أهمية في القارة- في واحد من ثلاثة مسارات: الاندماج المناسب والمتوافق، أو طرد المسلمين، أو استيلاء الإسلاميين على أوروبا. أي من هذه السيناريوهات هو الأرجح؟
مستقبل أوروبا له أهمية كبيرة لا تقف عند سكانها فقط. فخلال نصف ألفية، 1450-1950، قادت السبعة في المائة من مساحة اليابسة تاريخ العالم. إبداع أوروبا وحماستها خلقت الحداثة. ربما تكون القارة الأوربية قد خسرت هذه الريادة والدور الهام منذ ستين عاما، لكنها لا تزال في غاية الاهمية من الناحية الاقتصادية والسياسية والفكرية. وبالتالي فإن المسار الذي سوف تتجه إليه أوروبا سوف يكون له تأثير كبير على بقية البشر، وخاصة البلدان التي هي بمثابة بنات اوروبا ، كالولايات المتحدة، التي دأبت تاريخيا على النظر إلى أوروبا كمصدر للأفكار والناس والبضائع.
فيما يلي نعرض تقييما لاحتمالية كل سيناريو.
1. أن يحكم المسلمون أوروبا
لاحظ الراحل أوريانا فالاتشي أنه مع مرور الزمن، "تصبح أوروبا اكثر واكثر مقاطعة أو مستعمرة للإسلام." وأطلق المؤرخ بات ياور على هذه المستعمرة اسم "أورابيا" ("أو" من أوروبا، "رابيا" من ارابيا أي عربية- المترجم) . ويتنبأ والتر لاكور في كتابه القادم أيام أوروبا الأخيرة أن أوروبا كما نعرفها سوف تتغير لا محالة. ويذهب مارك ستاين أبعد من ذلك ويقول في كتابه أمريكا وحدها: نهاية العالم كما نعرفه، أن الكثير من دول العالم الغربي "لن تقوى على البقاء في القرن الحادي والعشرين، وسوف يختفى بالفعل الكثير منها ونحن على قيد الحياة، بما في ذلك العديد إن لم يكن معظم الدول الأوروبية." وتشير ثلاثة عوامل – هي الإيمان، والديموغرافيا، والشعور والاعتزاز بالتراث – إلى أن أوروبا تتم أسلمتها.
الإيمان. تسود العلمانية المتطرفة أوروبا، وخاصة بين نخبها، لدرجة أن المسيحيين المؤمنين (مثل جورج دبليو بوش) يتم النظر إليهم بوصفهم غير متوازنين من الناحية العقلية وغير صالحين للمناصب العامة. في عام 2005، رُفض تولي روكو بوتيليوني، وهو سياسي إيطالي متميز وكاثوليكي مؤمن، منصب المفوض الإيطالي للاتحاد الأوروبي بسبب وجهات نظره بشأن قضايا مثل المثلية الجنسية. وتعني العلمانية الراسخة أيضا الكنائس المهجورة والفارغة, يقدر الباحثون أن عدد المسلمين الذين يذهبون إلى المساجد يوم الجمعة في لندن أكبر من عدد المسيحيين الذين يذهبون إلى الكنائس يوم الأحد، على الرغم من أن عدد من يسكن لندن ممن وُلد مسيحيا هو حوالي 7 أضعاف من يسكنها ممن وُلد مسلما. بينما تختفى وتتلاشى المسيحية يزدهر الإسلام ويجذب الأنظار؛ يُجسد الأمير تشارلز انبهار وافتتان العديد من الأوروبيين بالإسلام. يمكن أن نرى العديد من حالات تغيير العقائد الدينية في مستقبل أوروبا، لأنه وفقا للقول الذي يُنسب إلى جي. كاي. تشيسترتون: "عندما يتوقف الإنسان عن الإيمان بالله فإنه لا يؤمن بالعدم؛ بل يؤمن بأي شيء."
تُصيغ العلمانية في أوروبا خطابها بطرق غير مألوفة تماما للأمريكيين. يوضح هيو فيتزجيرالد، نائب رئيس JihadWatch.org السابق، أحد أبعاد هذا الفرق أو الاختلاف:
"دائما ما تضمنت التصريحات التي لا تُنسب للرؤساء الأميركيين تقريبا عبارات معروفة متميزة من الكتاب المقدس. ... وكان مصدر القوة الخطابية تلك مسموعا ومرئيا في فبراير الماضي [2003] عندما انفجر المكوك الفضائي كولومبيا. لو لم يكن المكوك الفضائي الذي انفجر أمريكيا وكان فرنسيا، وكان على جاك شيراك إلقاء الكلمة لذكر حقيقة أن هناك سبعة من رواد الفضاء قضوا نحبهم، وكان سوف يستحضر صورة نجوم برج الثور التي تمت تسميتها أول مرة في عصور الوثنية القديمة. لكن أداء الرئيس الأمريكي كان مختلفا، وذلك في احتفال وطني رسمي بدأ وانتهى باقتباس من العهد القديم . ذكر الرئيس الأمريكي نصا من سفر إشعياء 40:26، الأمر الذي أدى إلى انتقال سلس من الدهشة والعجب المصحوبين بالخشوع من روعة خلق السموات والنجوم وقدرة الرب على الحفاظ عليها إلى عزاء فقدان الأرض لأفراد طاقم المكوك.
ازدهار الايمان عند المسلمين ، جنبا إلى جنب مع اليقظة الجهادية دائمة الحضور وكذلك الشعور بالتفوق الإسلامي، هو بعيد كل البعد ومختلف كل الاختلاف عن إيمان المسيحيين الأوربيين المتآكل والذي يصل إلى درجة الردة. هذا التناقض يؤدي بالعديد من المسلمين إلى رؤية أوروبا كقارة قد آن الاوان لتحولها الى الإسلام و الهيمنة عليها. وتنشأ من جراء ذلك مطالبات تنطق بالشعور بالتفوق الإسلامي على ما سواه، مثل بيان عمر بكري محمد، "أريد أن تصبح بريطانيا دولة إسلامية. أريد أن أرى راية الإسلام مرفوعة وخفاقة في 10 داوننغ ستريت". أو نبؤة إمام مقيم في بلجيكا: "قريبا سوف نستولي على السلطة في هذا البلد. والذين ينتقدوننا الآن، سوف يندمون، وسوف يكون عليهم خدمتنا. استعدوا، لقد اقتربت الساعة...." [1]
السكان: يُشير الانهيار الديمغرافي أيضا إلى أن أوروبايتم أسلمتها. معدل الخصوبة الكلي في أوروبا اليوم يصل في المتوسط إلى حوالي 1.4 لكل امرأة، في حين الحفاظ على سكان أي دولة ما, يتطلب أكثر من مجرد طفلين لكل زوجين، أو 2.1 طفل لكل امرأة. المعدل الحالي هو مجرد ثلثي المطلوب؛ ببساطة ثلث عدد السكان المطلوب لا يتم إنجابه من قبل سكان أوروبا الأصليين.
لتجنب النقص الحاد في عدد السكان، وما يؤدي إليه من مشاكل - وعلى وجه التحديد، عدم وجود عمال لتمويل خطط المعاشات التقاعدية السخية – تحتاج أوروبا إلى المهاجرين، والكثير من المهاجرين. يميل ذاك الثلث من السكان الذي يتم استيراده وجلبه إلى أن يكون مسلما، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المسلمين قريبين من أوروبا (انها فقط ثلاثة عشر كيلومترا من المغرب إلى إسبانيا، وبضع مئات الكيلومترات من ألبانيا أو ليبيا إلى إيطاليا)، وجزئيا بسبب الروابط التي مازالت تربط جنوب آسيا ببريطانيا والمغرب بفرنسا، وجزئيا بسبب العنف والطغيان والفقر الذي يسود العالم الإسلامي بدرجة كبيرة اليوم والذي يدفع بموجات الهجرة الواحدة تلو الأخرى.
وبالمثل، تُكمل الخصوبة العالية لدى المسلمين الصورة وتبرز ندرة الأطفال المسيحيين من أهل القارة الأصليين. وعلى الرغم من تراجع معدل خصوبة المسلمين، فإنه لا يزال أعلى بكثير من معدل خصوبة السكان الأصليين في أوروبا. تسير بروكسل، التي كان "محمد" ولعدة سنوات الاسم الأكثر شعبية للمواليد من الذكور بها، وأمستردام وروتردام معا على نفس الطريق لتصبح المدن الثلاث حوالي عام 2015 أول المدن الأوروبية الكبرى ذات الأغلبية السكانية المسلمة. ويقدر المحلل الفرنسي ميشال غرفينكي أن نسبة المتقاتلين في حرب الشوارع الإثنية أو العرقية في فرنسا هي 1 من أطفال السكان الأصليين إلى 1 من أطفال المهاجرين تقريبا. وتشير التوقعات الحالية إلى أن المسلمين سوف يكونون الأغلبية في الجيش الروسي بحلول عام 2015 ، وفي روسيا بأكملها نحو عام 2050. وبالإضافة إلى ذلك، تعيش العديد من النساء المسلمات في أوروبا ظروفا وأحوالا توصف بما قبل الحداثة وهي ذات صلة بمعدلات المواليد المرتفعة.
الشعور والإحساس بالتراث: يعكس ما يوصف غالبا في أوروبا بأنه الصواب السياسي ما أعتقد أنه ظاهرة أعمق وأهم، وهي اغتراب الكثير من الأوروبيين عن حضارتهم وعدم الانتماء لها، والشعور بأن ثقافتهم التاريخية لا تستحق القتال من أجلها أو حتى الحفاظ عليها. من المثير أن نلاحظ الاختلافات داخل أوروبا في هذا الصدد. ربما البلد الأقل عرضة لهذا الاغتراب هو فرنسا، حيث القومية التقليدية لا تزال تمسك بقدر من التأثير والسيطرة وحيث الفرنسي لايزال يفخر بهويته. بريطانيا هي البلد الأكثر اغترابا، ويتجسد ويتمثل ذلك في البرنامج الحكومي البائس والحزين ICONS - A Portrait of England، (ايقونات- بورتريه انجلترا) والذي يأمل على استحياء إحياء الروح الوطنية من خلال ربط البريطانيين "بكنوزهم الوطنية" مثل الدب الصغير بوه Winnie-the-Poohوالتنورة القصيرة.
وكان لهذا الخجل والاستحياء آثار مباشرة وسلبية على المهاجرين المسلمين، وهو الأمر الذي أبان عنه آتيش تاسير في مجلة بروسبكت.
بالنسبة للكثير من الباكستانيين البريطانيين من الشباب فإن الهوية البريطانية إنما هي ذات طابع اسمي بدرجة أكبر من غيرها من مكونات هويتهم الأخرى ... إن أنت هاجمت أو قللت من شأن ثقافتك سوف تواجه خطر تجاهل القادمون الجدد لها وبحثهم عن غيرها. بالنسبة لكثير من الجيل الثاني من الباكستانيين البريطانيين، الذين هم بعيدون عن وطنهم، تتمتع ثقافة صحراء العرب بجاذبية أكبر من الثقافة البريطانية أو الثقافة القارية الأوربية الفرعية. لقد أصبحت النظرة العالمية للإسلام الراديكالي التي تتعالى وتتجاوز القوميات والأمم والتي تتمتع بالحيوية هي واحدة من الهويات المتاحة للجيل الثاني من الباكستانيين، وهي التي قد تم محوها من الشعور الدائم بالهوية ثلاثة مرات من قبل.
يزدري المهاجرون المسلمون وعلى نطاق واسع الحضارة الغربية، وخاصة الحياة الجنسية (المواد الإباحية والطلاق والمثلية الجنسية). ولا يندمح المسلمون في أي مكان في أوروبا، ونادرا ما يتزاوجون من غيرهم. فيما يلي مثال واضح وبارز من كندا، التي تشبه ظروفها ظروف أوروبا أكثر من تشابهها بظروف الولايات المتحدة: والدة الحضنة (صغار) خضر سيئة السمعة، والمعروفة بالعائلة الإرهابية الاولى في البلاد، خضر كانت قد عادت الى كندا من أفغانستان وباكستان في أبريل 2004 مع واحد من أبنائها. فعلى الرغم من طلبها اللجوء إلى كندا، أصرت علنا وقبل شهر واحد فقط على أن معسكرات التدريب التي يرعاها تنظيم القاعدة كانت أفضل مكان لأطفالها. "هل تريد مني أن أربي طفلي في كندا كي يصبح عندما يبلغ 12 أو 13 سنة متعاطيا للمخدرات أو تكون له بعض العلاقات الجنسية المثلية؟ هل هذا هو الأفضل؟"
(من المفارقات، أنه في القرون الماضية، وهو ما أكده بالوثائق المؤرخ نورمان دانيال ، كان المسيحيون الأوروبيون يتعالون على المسلمين وينظرون إليهم نظرة دونية بوصفهم غارقين ومفرطين في الحياة الجنسية من تعدد زوجات وحريم، وعلى هذا الأساس كان الأوروبيون يشعرون بالتفوق الأخلاقي.)
وخلاصة القول: يرى التحليل الأول أن أوروبا سوف يتم أسلمتها، وسوف تخضع بهدوء وتستسلم لوضع الذمي أو تتحول وتعتنق الإسلام، لأن ضعف أوروبا وقوة وفتوة المسلمين يعملان معا على تحقيق ذلك: تدين منخفض في مقابل تدين مرتفع، خصوبة منخفضة في مقابل خصوبة عالية، ثقة ثقافية منخفضة في مقابل ثقة ثقافية عالية [2]. ما أوروبا سوى باب مفتوح يمر عبره المسلمون.
2. رفض وطرد المسلمين
أم يُغلق الباب في وجوههم؟ يرفض الصحافي الأميركي رالف بيترز السيناريو الأول: "إن أماني مسلمي أوروبا في السيطرة عليها وحكمها بواسطة المواليد من الأطفال هو أمر بعيد المنال، إنهم يعيشون وقتا مسروقا لا يلبث أن ينقضي ... توقعات استيلاء المسلمين على أوروبا ... تتجاهل التاريخ والشراسة والوحشية المتأصلتين في أوروبا." وهو يتوقع بدلا من ذلك، مستلهما صورة أوروبا كقارة "أتقنت الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والإثني،" أن مسلمي أوروبا "المحظوظ منهم سوف يتم ترحيله" وينجو من القتل. ويوافق كلير برلنسكي ضمنيا، في مؤلفه خطر في أوروبا: لماذا أزمة القارة هي أزمة أميركا أيضا، لافتا النظر إلى أن "الصراعات والأنماط والصور القديمة ... تخرج متثاقلة من سحب التاريخ الأوروبي" مما يمكن أن يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف.
في هذا السيناريو، يستيقظ الأوروبيون الأصليون - الذين لا يزالون يشكلون 95 في المئة من سكان القارة – يوما ما فيتمسكون بحقوقهم ويصرون عليه. سوف يقولون "كفى!" ويستعيدوا نظامهم التاريخي. ليس هذا الأمر ببعيد جدا؛ فالأوربيون يشعرون بالضيق والغيظ والغضب، وإن كانت النخب أقل غضبا من الجماهير، ويحتجون بصوت عال على التغيرات الجارية بالفعل. ومن شواهد هذا الاستياء قانون مكافحة الحجاب في فرنسا، والغضب من القيود المفروضة على الأعلام الوطنية والرموز المسيحية، والإصرار على تقديم النبيذ في حفلات العشاء التي تقيمها الدولة. وقد نشأت حركة شعبية وبطريقة عفوية في عدد من المدن الفرنسية في أوائل عام 2006 لتقديم حساء لحم الخنزير للفقراء، وبالتالي فهي تتعمد استبعاد المسلمين.
هذه قضايا هامشية في مقابل حقيقة أن الأحزاب المتمردة والمناهضة للمهاجرين قد تم تأسيسها بالفعل في العديد من البلدان وبدأت في المطالبة ليس فقط بالرقابة الفعالة على الحدود ولكن طرد المهاجرين غير الشرعيين أيضا. تحت أعيننا، تتشكل حركة معادية للمهاجرين في جميع أنحاء أوروبا دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير. وتطور السباق الرئاسي في فرنسا في عام 2002 ليصبح تنافسا بين جاك شيراك وجان-ماري لوبان الفاشي الجديد. وعلى الرغم من التاريخ الهزيل للحركة حتى الآن، فإن لديها إمكانيات هائلة. ولأحزاب معارضة الهجرة والإسلام عموما خلفيات فاشية-جديدة إلا أنها تنال مع مرور الوقت المزيد من الاحترام، بتخليها عن أصولها المعادية للسامية ونظرياتها الاقتصادية المشكوك فيها، وتركيزها بدلا من ذلك على مسائل الايمان، والديموغرافيا، والهوية، والتعلم من أجل فهم الإسلام والمسلمين. يقدم الحزب القومي البريطاني وفلامس بيلانج البلجيكي مثالين على هذا التطور نحو استحقاق الاحترام، والذي يمكن أن يتبعه يوما ما استحقاق الانتخاب.
وبعض الأحزاب قد ذاقت بالفعل طعم السلطة. كان كل من حزب يورغ هايدر وحزب Freiheitliche Partei Österreichs في الحكم لفترة وجيزة. وكان حزب ليجا نورد في إيطاليا لسنوات جزءا من الائتلاف الحاكم. ومن المرجح أن تنمو هذه الأحزاب وتصبح أكثر قوة لانتشار رسائلها المعادية للإسلاميين وللإسلام، وسوف تتبنى الأحزاب السائدة بصورة جزئية رسائلها تلك. (يقدم الحزب المحافظ في الدنمارك نموذجا لذلك؛ فبعد 72 عاما بعيدا عن السلطة، عاد إليها عام 2001 أساسا بسبب الغضب والاستياء من الهجرة.) وسوف تستفيد هذه الأحزاب على الأرجح عندما تعصف الهجرة بأوروبا دون حسيب ولا رقيب وتصل إلى معدلات أعلى من أي وقت مضى، بما في ذلك ربما نزوح جماعي من إفريقيا، كما تشير العديد من المؤشرات على ذلك.
بمجرد وصول الأحزاب القومية للحكم والسلطة فسوف ترفض التعددية الثقافية وسوف تحاول إعادة تأسيس وإحياء القيم والأعراف التقليدية. لا يمكن للمرء إلا أن يتكهن بأساليبها ووسائلها في القيام بذلك وبرد فعل المسلمين، إلا أن أعمال الشغب الفرنسية أواخر عام 2005 تعطينا احتمالا ممكنا لما ينتظرنا في المستقبل. يُطيل بيترز التفكير والكتابة عن الجوانب الفاشية والعنيفة لبعض الجماعات ويتوقع أن يتخذ رد الفعل العنيف ضد المسلمين صورا وأشكالا لا تحمد عقباها. حتى أنه يرسم سيناريو فيه "ترسو سفن تابعة للبحرية الأمريكية بينما تذهب مشاة البحرية الأمريكية الى الشاطئ في بريست أو بريمرهافن أو باري لضمان الإخلاء الآمن لمسلمي أوروبا."
لسنوات والمسلمين في قلق من أن يكونوا موضع السجن والاعتقال، وما يلي ذلك من طرد ومجازر. في أواخر ثماينات القرن الماضي، أعاد كليم صديقي، مدير المعهد الإسلامي بلندن، الحياة لشبح "غرف الغاز على طريقة هتلر ولكن هذه المرة للمسلمين." وحذر شابير اختر في كتابه عام 1989، كن حذرا مع محمد من أنه في "المرة القادمة التي نرى فيها غرف الغاز في أوروبا، لن يكون هناك أي شك بشأن من سوف يكون داخلها"، وكان يعني المسلمين. وتقوم إحدى شخصيات رواية حنيف قريشي عام 1991، بوذا الضواحي، بالإعداد لحرب العصابات التي يتوقع أن تلي "انقلاب البيض في النهاية على السود والآسيويين ومحاولتهم إلقاءنا في غرف الغاز."
ولكن من المرجح أن تبدأ الجهود الأوروبية في الإصلاح مع المسلمين -– بوصفهم من يبادرون بالعنف- بداية سلمية وقانونية تمشيا مع الأنماط الحديثة للتخويف والإرهاب. تؤكد استطلاعات متعددة أن حوالي 5 في المئة من المسلمين البريطانيين يُقرون ويجيزون تفجيرات السابع من يوليو، مما يشير إلى استعداد عام للجوء إلى القوة.
بغض النظر عن كيفية حدوثه، لا يمكن افتراض أن يتم الإصرار الأوربي على الهوية الأوربيية والتأكيد عليها بطريقة وأسلوب تعاوني.
3. اندماج المسلمين
في أسعد سيناريو، يصل الأوروبيون الأصليون والمهاجرون المسلمون إلى تسوية مؤقتة ويعيشون معا في وئام. ربما كان البيان الكلاسيكي لهذا التوقع المتفائل هو دراسة جين هيلين وبيار باتريك كالتنباش والتي نشرت عام 1991 بعنوان فرنسا، فرصة للإسلام. "لأول مرة في التاريخ"، كتبا المؤلفان، "ينال الإسلام فرصة للحياة في بلد ديمقراطي، غني، علماني، ومسالم." لا يزال هذا الأمل حيا. يؤكد مقال نشر في قسم القادة بمجلة الإيكونومست في منتصف عام 2006 على أنه "في اللحظة الراهنةعلى الأقل، يبدو احتمال أن تصبح أوروبا أورابيا مجرد نشر إشاعات مخيفة مثيرة للذعر". وفي ذلك الوقت أيضا، ادعت جوسلين سيزاري، أستاذ مشارك في الدراسات الإسلامية في كلية اللاهوت بهارفارد، وجود توازن: فبينما "يغير الإسلام أوروبا،" تقول جوسلين، فإنه بالمثل تماما "تغير أوروبا الإسلام." فهي ترى أن "المسلمين في أوروبا لا يريدون تغيير طبيعة الدول الأوروبية"، وتتوقع منهم أن يتكيفوا ويندمجوا في السياق والحياة الأوروبية. لسوء الحظ، هذا التفاؤل لا يعتمد على أساس قوي . يستطيع الأوروبيون إعادة اكتشاف وإحياء إيمانهم المسيحي، وإنجاب المزيد من الأطفال، والاعتزاز بتراثهم. يستطيعون تشجيع هجرة غير المسلمين أو العمل على تأقلم المسلمين الذين يعيشون بالفعل بينهم. ولكن مثل هذه التغييرات لم تحدث حتى الآن، ولا يبدو أنها سوف تحدث في المستقبل القريب. بدلا من ذلك، تنمو وتكبر مظالم وطموحات المسلمين على خلاف جيرانهم من السكان الأصليين. مما يبعث على القلق، أن كل جيل يبدو أكثر اغترابا وأقل انتماء من الجيل السابق عليه. أطلق الروائي الكندي هيو ماكلينان على انقسام بلاده بين الإنجليزية والفرنسية تعبير "العزلتان." يرى المرء شيئا من هذا القبيل، ولكنه أكثر وضوحا وقوة، يتطور وينمو في أوروبا. على سبيل المثال، تكشف استطلاعات رأي المسلمين البريطانيين أن غالبيتهم يدركون ويخبرون صراعا بين الهوية البريطانية والهوية الإسلامية، وأنهم يودون تطبيق الشريعة الإسلامية.
إن احتمال قبول المسلمين العيش داخل حدود أوروبا التاريخية والاندماج بسلاسة داخلها يمكن عمليا إخراجة من الاعتبار. حتى بسام طيبي، أستاذ جامعة غوتنغن، الذي كثيرا ما حذر من أنه "إما أن يصبح الإسلام أوروبيا، أو أن تصبح أوروبا متأسلمة"، قد يأس شخصيا من القارة. وأعلن مؤخرا أنه سيترك ألمانيا بعد الإقامة فيها 44 سنة ، للانتقال إلى جامعة كورنيل في الولايات المتحدة.
استنتاج وخاتمة
في خلاصة رأيه بخصوص السيناريوهات الثلاث، يقول الصحافي وكاتب العمود الأميركي دينيس براغر، "من الصعب أن نتصور أي سيناريو مستقبلي آخر لأوروبا الغربية سوى أن تصبح متأسلمة أو إسلامية أو أن تشهد حربا أهلية." وبالفعل، يبدو أن هذين المسارين لا جاذبية ولا خير فيهما همامن سيحددا خيارات أوروبا ومصيرها. مع وجود قوى شديدة تجذبها إلى اتجاهين متعاكسين : استيلاء المسلمين على أوروبا أو طرد المسلمين منها، ستكون أوروبا اما امتدادا لشمال أفريقيا أو تصبح في حالة حرب شبه أهلية.
ما الذي سوف يحدث؟ إن الأحداث الحاسمة التي من شأنها حل هذه المسألة لم تقع حتى الآن، لذلك لا يمكن للمرء الآن أن يدعو لحل أو خيار. لكن وقت أو زمان القرار يقترب بسرعة. في غضون العقد المقبل أو نحو ذلك، سوف تنتهي ما نشهده اليوم من تقلبات وتغيرات متواصلة، حيث تثبت وتتجمد معادلة أوروبا- الإسلام، ويتضح مسار مستقبل القارة.
إن التنبؤ الصائب بذلك المسار هو الأكثر صعوبة لأن الأمر لا سابقة له في التاريخ. لم تتحول مساحة كبيرة من الأرض في وقت مضى من حضارة إلى أخرى بسبب انهيار أو انخفاض عدد سكانها، أو انهيار إيمان أو هوية سكانها الاصليين، ولم ينهض شعب على نطاق واسع وعظيم من أجل استعادة تراثه أو إرثه الحضاري. إن جدة وحجم المأزق الذي تواجهه أوروبا يجعلان من الفهم أمرا صعبا، ويغريان المرء بالغفلة، ويجعلان التنبؤ أمرا يكاد يكون مستحيلا. تقودنا أوروبا جميعا إلى أرض مجهولة.
[1] De Morgen, Oct. 5, 1994. Cited in Koenraad Elst, "The Rushdie Rules", Middle East Quarterly, June 1998.
[2] من المثير ملاحظة أنه فيما يخص هذه المظاهر الثلاث، كانت اوروبا والولايات المتحدة أكثر تشابها بكثير قبل 25 عاما بالمقارنة مع اليوم. وهذا يشير إلى أن اختلافهما قد نشأ بدرجة أكبر عن تطورات وقعت في ستينات القرن الماضي وبدرجة أقل عن أنماط أو خصائص تاريخية تعود إلى قرون مضت. وعلى الرغم من أن العقد الحالي قد أثر بشدة وعمق على الولايات المتحدة، إلا أن تأثيره على أوروبا كان أعمق وأشد بكثير.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تحديث 12 أبريل 2007: في مقال من جزئين بعنوان "هل الحرب الأهلية الأوروبية لا مفر منها بحلول عام 2025؟" يرى بول ويستون أنه لا مفر من أن تجد أوروبا نفسها متورطة في حرب أهلية دامية من شأنها أن تجعل "الحرب العالمية الثانية تبدو وكأنها معركة من معارك الألعاب والتسلية". في الجزء الأول، يُقيم هذه الحجة على أساس من التوقعات الديموغرافية. في الجزء الثاني، يركز على الامبريالية الإسلامية ويتوقع على وجه التحديد متى يواجهها رد الفعل الأوروبي ويضع حدا لها: "في وقت ما بين 2017 و 2030، وخلال فترة من حدة التوتر، يفجر الإسلاميون في فرنسا أوهولندا أوبريطانيا كنيسة أو قطارا أو طائرة. حينئذ يبدأ الانتقام، وهم بدورهم سوف يردون."
تحديث 16 أبريل 2007: في استعراض كبير لكتاب فيليب جينكينز قارة الرب: المسيحية والإسلام، والأزمة الدينية في أوروبا، يكتب ريتشارد جون نيوهاوس متشككا في وجهات نظر جنكينز الورديية بخصوص المستقبل الأوروبي. في استعراضه وتحليله لكتاب والمنشور في عدد مايو 2007 من مجلة First Things تحت عنوان ( "موت أوروبا المبالغ فيه كثيرا")، يخلص نيوهاوس ويختم مقاله بهذه الطرفة:
في حفل عشاء أخير مع جمع من المثقفين الأوروبيين، عرضت توقعات دانيال بايبس على رئيس أساقفة فرنسي مرموق وصاحب تأثير وهي: إما الاندماج، أو الطرد، أو استيلاء الإسلاميين على أوروبا. قال إن ذلك إنما يضع الاحتمالات بطريقة جد صارخة وقاسية. وقال "نأمل أن يتحقق الاحتمال الأول،" "في الوقت الذي نعمل فيه على الحد من الهجرة ونعد انفسنا لأسلمة ناعمة". أسلمة ناعمة. إنه تعبير ينطق بالضعف. سواء كانت الأسلمة ناعمة أو خشنة، الاحتمال هو أنه في المستقبل غير البعيد جدا، سوف ينشر شخص ما كتاب بعنوان قارة الله.
تحديث 7 مايو 2007: العنف الذي تنبأت به سيغولين رويال، المرشحة الاشتراكية للرئاسة الفرنسية، عقب فوز منافسها نيكولا ساركوزي، قد حدث بالفعل ولكن ليس بشدة كبيرة. إن كل من تحذيرها وواقع العنف إنما يأخذان البلاد خطوة أخرى نحو سيناريو حرب شبه أهلية رسمنا خطوطها العريضة أعلاه.
تحديث 1 يوليو 2007: في مقالة بعنوان "انخفاض معدل المواليد،" يأخذ نواه (نوح) بولاك موضوع حاشيتي رقم 2 ويطورها إلى مقالة قصيرة. يتسائل لماذا لا ينجب الأوروبيون سوى عدد قليل جدا من الأطفال ثم يجيب ويرد:
يرى الجيل الحالي من الأوروبيين القادرين على الانجاب حياتهم من منظور الثورات الثقافية التي قام بها جيل عام 1968، وهم السواد الأعظم من الشباب الذين، ويا للسخرية، كانوا أبناء طفرة المواليد الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية والذين صعدوا إلى السلطة والنفوذ بحكم الوزن الديموغرافي لهم. كانت الانتفاضة الثقافية عام 1968 نتيجة لكل من المتعة الثورية، الجماعية السياسية والاقتصادية، وقناعة راسخة بأن الغرب قد أصبح أو كان دائما قوة إمبريالية، والحرب، وتدمير البيئة. إلى درجة أكبر بكثير من نظرائهم في أمريكا، حصل جيل عام 1968 على سلطة سياسية حقيقية ومعها هيمنة ثقافية تسيطر على كثير من جوانب الحياة السياسية والفكرية الفرنسية والأوروبية حتى اليوم.
تحديث 26 سبتمبر 2007: في مقابلة أُجريت معه بعنوان "فشل أوروبا في دمج المسلمين هو وصفة أو هو الطريق لحرب أهلية،" يُسهب بسام طيبي في الحديث عن مشاكله في ألمانيا ويعطي وجهة نظر، أكثر توازنا مما يوحي عنوان المقابلة، في تفسير لماذا كل من الأوروبيين الأصليين والمهاجرين المسلمين على خطأ.
تحديث 6 أكتوبر 2007: في مقابلة له في الفيلم الوثائقي الجهاد الثالث والتي استغرقت 48 دقيقة، ينضم برنارد لويس لمن يتنبأون بميلاد أورابيا: "أوروبا هي بالفعل، كما أعتقد، قضية خاسرة."
تحديث 12 يناير 2009: في مقالتي "مناطق حكم ذاتي للمسلمين في الغرب؟" أتناول الطريق أو المسار الرابع المحتمل لأوروبا، وهو إنشاء دول صغيرة للمسلمين في أوروبا.